العائد الى الله
26th October 2011, 02:49 PM
مراقبة الضمير بين الدين والحياة
(http://www.masress.com/author?name=%E2%80%8F%20%E2%80%8F%20%D9%85%D8%AD%D 9%85%D8%AF%20%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B3% D8%AA%D8%A7%D8%B1%20%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1) الأهرام اليومي : 06 - 03 - 2010
الدين الحق, يعلي في الإنسان كيانه الداخلي, من إيمان عميق, وعقل قادر علي التفكير والموازنة في القضايا الفكرية التي تعرض أمامه. كما يزكي نفسه بالأخلاق الفاضلة وبهذا كله يسد المنافذ أمام الصفات المضادة من كفر, وجهل ورذائل, كما يعلي ظاهره بما وضعه من ضوابط حين يشبع غرائزه المادية بما أحل من الطيبات وحرم من الخبائث, ولعل من أبرز الفضائل التي حرص الإسلام علي غرسها في نفس المسلم فضيلة المراقبة التي سماها الإحسان والتي بينها الحديث الصحيح الذي سأل فيه جبريل الأمين رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الإسلام, ثم الإيمان, ثم الإحسان, فكانت اجابته عن الأخير.. أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك,
وأما الأخلاقيون فقد سموها بالضمير, وهذه الفضيلة تتعمق في كيان الإنسان, كلما أحس بمسئوليته ككائن مكلف, تتحاكم تصرفاته الداخلية والخارجية الي معيار صحيح يحكم عليها ويحدد مسارها, والقرآن الكريم حين قرر أن كل إنسان قد ألزمه الله تعالي طائره في عنقه, فإنما يعني بذلك تلك الفضيلة التي نتحدث عنها, فضيلة المراقبة والمحاسبة, ومجالها هنا ينصب علي آماله في هذه الدنيا, الذي يدل عليه قوله تعالي في نفس الآية ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا( الإسراء: الآية13 و14) وكأني بهذا الكتاب العزيز يريد أن يحدث في الإنسان المسلم, بل وغير المسلم اذا كان لديه استعداد لذلك ما يمكن أن يسمي بالقضاء الداخلي, الذي يستمد عناصره من التوجيهات, التي تعلي في الإنسان كيانه الرفيع, وتؤكد أن الاحتكام الي تلك الفضيلة انما هو في حقيقته احتكام الي الله تعالي, لأنه هو الذي أحياها وزكاها وألزم الإنسان بها, وكما هو صريح الآية الكريمة التي معنا, ونفهم من هذا أن تجاوز هذا المنهج لا يترتب عليه تحقيق العدل دائما, فقد يكون المتحاكم إليه إسانا ليس بمدرك لكل مبررات حكمه, ومن ثم يأتي الحكم علي غير وجهه الصحيح.
إن حاسة المراقبة هذه تلازم الإنسان في كل أحواله, لأنها كيان قائم به, ولنا أن نسوق مثلا يجسدها: إحسان العمل علي وجه يرضي عنه الحق تبارك وتعالي, أمر تحض عليه تلك الحاسة والبعد عما حرم الله تعالي هو نفس الشيء, إذن فعل الخيرات بكل صورها وترك الموبقات بكل أشكالها لا يتأتي إلا في ظل وجود هذه الفضيلة, وهذا كله يتم مع غياب المراقب الخارجي, ومن هذا يتبين أن سلطة الدين التي تحيي في الإنسان معني المراقبة الحقيقية, لها من التأثير النفسي والإيماني والأخلاقي ما يجعل صوتها مقدسا ومحترما عند من استقرت في وجدانه, لأنه يعلم أن هناك حسابا دقيقا في موقف آخر يقرره قوله تعالي: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين( الأنبياء:47)
ويتضاءل التقديس والاحترام للقوانين الوضعية لأنه ليس من سلطتها التربية الروحية التي يحدثها الدين الصحيح في كيان الإنسان, وانما تقف عند مجرد الاحكام الظاهرة علي أفعال الإنسان حين يقع تحت طائلتها, وقليلة تلك الأفعال التي تكون كذلك, وأكثرها يتم إما في غيبة القانون وإما في التحايل عليه والالتفاف حوله, وأما النيات والمقاصد التي يجعلها الدين أساسا لأحكامه, فليس للقانون علاقة بها,
وقد عبر الفيلسوف الفرنسي باسكال عن هذه المسألة حين قال: من النيات والمقاصد أخذ بلاط جهنم. أرأيت كيف أن الحاسة المراقبة بالمعني الذي أشرنا, هي صمام الأمن الذي يقي الإنسان من الوقوع في الآثام والمهالك؟ وأنه يحس بوجود تلك القوة عند اعتدال مزاجه, فقد يفعل فعلا ما تحت تأثير شهواته, كأن يقابل السيئة بمثلها, تحقيقا لغريزة الشعور بالذات, ولكنه عندما يخلو الي نفسه, ويعود إليه رشده, يحس بتلك التساؤلات تنبعث من داخله: لماذا فعلت مثل ما فعل خصمك؟ ألست أنت وهو علي سواء في الإحساس بالذات؟ ألم يكن من الأحسن أن تقابل اساءته بإحسانك؟ أين الحلم؟ أين سعة الصدر؟, وتنتهي التساؤلات هذه بذلك السؤال الأخير: اذا قوبل الشر بالشر والخطأ بالخطأ فأين الخير والصواب إذن؟ واذا كان الخير هو الأساس في الطبيعة الإنسانية, كما يقرر ذلك الدين وهو عند الله الإسلام وكذلك المذاهب الأخلاقية الراقية, فهل من المعقول أن نجعل تصرف غريزة جامحة أصلا تلغي معه الحقائق التي أقرها الدين الصحيح والأخلاق الفاضلة؟ هذا ما لا يقبله الدين والعقل علي السواء, وبهذا يظهر أن ما ينفقه الأفراد والجماعات والدول والشعوب علي أمنها المجتمعي لا يتأتي علي الوجه الصحيح في غياب تلك الحاسة التي هي محور حديثنا, لأنها تعالج الإنسان في قشرته الظاهرة, وأما لبه وكيانه الداخلي فلن يعالجه إلا الدين, لأنه علاج من خالق الإنسان للإنسان, الذي هو وحده الأعلم بمن خلق.
وليس شأننا مع ما يقدمه الدين من وقاية وعلاج للإنسان, إلا كشأن من يمتلك دواء أمراضه, ولكنه غير عارف بقيمته الحقيقية, فآثر البقاء علي مرضه دون علاج, وقد أصاب الشاعر العربي الحقيقة حين عبر عن هذه الصورة بقوله:
ومن العجائب والعجائب جمة... قرب الدواء وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما... والماء فوق ظهورها محمول
(http://www.masress.com/author?name=%E2%80%8F%20%E2%80%8F%20%D9%85%D8%AD%D 9%85%D8%AF%20%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B3% D8%AA%D8%A7%D8%B1%20%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1) الأهرام اليومي : 06 - 03 - 2010
الدين الحق, يعلي في الإنسان كيانه الداخلي, من إيمان عميق, وعقل قادر علي التفكير والموازنة في القضايا الفكرية التي تعرض أمامه. كما يزكي نفسه بالأخلاق الفاضلة وبهذا كله يسد المنافذ أمام الصفات المضادة من كفر, وجهل ورذائل, كما يعلي ظاهره بما وضعه من ضوابط حين يشبع غرائزه المادية بما أحل من الطيبات وحرم من الخبائث, ولعل من أبرز الفضائل التي حرص الإسلام علي غرسها في نفس المسلم فضيلة المراقبة التي سماها الإحسان والتي بينها الحديث الصحيح الذي سأل فيه جبريل الأمين رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الإسلام, ثم الإيمان, ثم الإحسان, فكانت اجابته عن الأخير.. أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك,
وأما الأخلاقيون فقد سموها بالضمير, وهذه الفضيلة تتعمق في كيان الإنسان, كلما أحس بمسئوليته ككائن مكلف, تتحاكم تصرفاته الداخلية والخارجية الي معيار صحيح يحكم عليها ويحدد مسارها, والقرآن الكريم حين قرر أن كل إنسان قد ألزمه الله تعالي طائره في عنقه, فإنما يعني بذلك تلك الفضيلة التي نتحدث عنها, فضيلة المراقبة والمحاسبة, ومجالها هنا ينصب علي آماله في هذه الدنيا, الذي يدل عليه قوله تعالي في نفس الآية ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا( الإسراء: الآية13 و14) وكأني بهذا الكتاب العزيز يريد أن يحدث في الإنسان المسلم, بل وغير المسلم اذا كان لديه استعداد لذلك ما يمكن أن يسمي بالقضاء الداخلي, الذي يستمد عناصره من التوجيهات, التي تعلي في الإنسان كيانه الرفيع, وتؤكد أن الاحتكام الي تلك الفضيلة انما هو في حقيقته احتكام الي الله تعالي, لأنه هو الذي أحياها وزكاها وألزم الإنسان بها, وكما هو صريح الآية الكريمة التي معنا, ونفهم من هذا أن تجاوز هذا المنهج لا يترتب عليه تحقيق العدل دائما, فقد يكون المتحاكم إليه إسانا ليس بمدرك لكل مبررات حكمه, ومن ثم يأتي الحكم علي غير وجهه الصحيح.
إن حاسة المراقبة هذه تلازم الإنسان في كل أحواله, لأنها كيان قائم به, ولنا أن نسوق مثلا يجسدها: إحسان العمل علي وجه يرضي عنه الحق تبارك وتعالي, أمر تحض عليه تلك الحاسة والبعد عما حرم الله تعالي هو نفس الشيء, إذن فعل الخيرات بكل صورها وترك الموبقات بكل أشكالها لا يتأتي إلا في ظل وجود هذه الفضيلة, وهذا كله يتم مع غياب المراقب الخارجي, ومن هذا يتبين أن سلطة الدين التي تحيي في الإنسان معني المراقبة الحقيقية, لها من التأثير النفسي والإيماني والأخلاقي ما يجعل صوتها مقدسا ومحترما عند من استقرت في وجدانه, لأنه يعلم أن هناك حسابا دقيقا في موقف آخر يقرره قوله تعالي: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين( الأنبياء:47)
ويتضاءل التقديس والاحترام للقوانين الوضعية لأنه ليس من سلطتها التربية الروحية التي يحدثها الدين الصحيح في كيان الإنسان, وانما تقف عند مجرد الاحكام الظاهرة علي أفعال الإنسان حين يقع تحت طائلتها, وقليلة تلك الأفعال التي تكون كذلك, وأكثرها يتم إما في غيبة القانون وإما في التحايل عليه والالتفاف حوله, وأما النيات والمقاصد التي يجعلها الدين أساسا لأحكامه, فليس للقانون علاقة بها,
وقد عبر الفيلسوف الفرنسي باسكال عن هذه المسألة حين قال: من النيات والمقاصد أخذ بلاط جهنم. أرأيت كيف أن الحاسة المراقبة بالمعني الذي أشرنا, هي صمام الأمن الذي يقي الإنسان من الوقوع في الآثام والمهالك؟ وأنه يحس بوجود تلك القوة عند اعتدال مزاجه, فقد يفعل فعلا ما تحت تأثير شهواته, كأن يقابل السيئة بمثلها, تحقيقا لغريزة الشعور بالذات, ولكنه عندما يخلو الي نفسه, ويعود إليه رشده, يحس بتلك التساؤلات تنبعث من داخله: لماذا فعلت مثل ما فعل خصمك؟ ألست أنت وهو علي سواء في الإحساس بالذات؟ ألم يكن من الأحسن أن تقابل اساءته بإحسانك؟ أين الحلم؟ أين سعة الصدر؟, وتنتهي التساؤلات هذه بذلك السؤال الأخير: اذا قوبل الشر بالشر والخطأ بالخطأ فأين الخير والصواب إذن؟ واذا كان الخير هو الأساس في الطبيعة الإنسانية, كما يقرر ذلك الدين وهو عند الله الإسلام وكذلك المذاهب الأخلاقية الراقية, فهل من المعقول أن نجعل تصرف غريزة جامحة أصلا تلغي معه الحقائق التي أقرها الدين الصحيح والأخلاق الفاضلة؟ هذا ما لا يقبله الدين والعقل علي السواء, وبهذا يظهر أن ما ينفقه الأفراد والجماعات والدول والشعوب علي أمنها المجتمعي لا يتأتي علي الوجه الصحيح في غياب تلك الحاسة التي هي محور حديثنا, لأنها تعالج الإنسان في قشرته الظاهرة, وأما لبه وكيانه الداخلي فلن يعالجه إلا الدين, لأنه علاج من خالق الإنسان للإنسان, الذي هو وحده الأعلم بمن خلق.
وليس شأننا مع ما يقدمه الدين من وقاية وعلاج للإنسان, إلا كشأن من يمتلك دواء أمراضه, ولكنه غير عارف بقيمته الحقيقية, فآثر البقاء علي مرضه دون علاج, وقد أصاب الشاعر العربي الحقيقة حين عبر عن هذه الصورة بقوله:
ومن العجائب والعجائب جمة... قرب الدواء وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما... والماء فوق ظهورها محمول