ضع إعلانك هنا



مشاهدة تغذيات RSS

الكاتب والداعية الإسلامي المصري سيد مبارك

نبي الإسلام الرحمة المهداة للعالمين

تقييم هذا المقال
نبي الإسلام الرحمة المهداة للعالمين

لحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على النبيِّ الأمين.
وبعد:
فسيظل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو الأسوة الحسنة لأصحابه وأتباعه في كُلِّ زمان ومكان، ففي سيرته وأخلاقه الكمالُ الإنساني في أعظمِ صُوره، نقول: سيظلُّ؛ لأَنَّ الله - تعالى - أمرنا بهذا في القرآن الكريم؛ قال - جل شأنه -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

وفضلاً عن هذا التوجيه من علاَّم الغُيوب، فإنَّ في سيرته العطرة ما يثلج القلوب، وتنشرح لها الصدور.
إنَّ في سيرته من الرحمة بالخلق والتواضُع لمن هو دونه، والعفو عند المقدرة، وغير ذلك من مكارم الأخلاق، التي يندر أن يتَّصفَ بها إنسان على وجه الخليقة، مما يَجعل كُلَّ صاحب ملة غير الإسلام يقرُّ بعظمته وسُمُوِّ روحه وخلقه.
إنَّ كلَّ مُحايد ممن ترك الهوى والتعصُّب، واتَّبع الوقائعَ والحقائق، التي سجلت كلَّ حركاته وسكناته - لَيُدركُ جيدًا أنَّ نَبِيَّ الإسلام هو نبيٌّ يدعو إلى الرحمة والسلام والهدى، وليس نبيًّا يدعو إلى سَفْكِ الدماء، وقتل الأبرياء، كما يُشاع في قلوب الغافلين والحاقدين في بلاد العجم، التي تعبُد الشيطان والمال والجنس، وتكرم الشواذ، وتستحلُّ المحرمات والخبائث.
ولا عجب إذًا أنِ اختارَه الله - تعالى - خليلاً، كما اتَّخذ إبراهيم خليلاً, وختم به الرسالةَ والنبوة, وجَعَلَه الرحمة المهداة للخلق أجمعين.
لماذا؟
لأنَّ كُلَّ رسولٍ كان لأُمَّتِه خاصَّة، أمَّا نبي الإسلام، فكانت رسالته للعالمين كافَّة، وأمته هي آخر الأمم وخيرهم، وأكثرهم تعلُّقًا بالدَّعوة إلى الله، وترك المنكرات والفواحش, وهي أمة تؤمن بكل أنبياء الله ورُسُله، وأنَّهم عبادٌ مُكرَمون معصومون من الزَّلاَّت البشرية، ولا يفرقون بينهم أبدًا, ولا يقولون عنهم إلاَّ خيرًا؛ لأنَّ الله - تعالى - أمرهم بهذا.
قال - تعالى - في كتابه الكريم: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 84 - 85].
ورسولُهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - إمامُ الأنبياء وخاتمهم، حرم عليهم الإساءة إليهم بالقول أو الفعل، كما سوف نُبيِّن من أحاديثه الثابتة والصحيحة عنه.

وعلى هذه السُّطور قبس ضئيل مِن هَدْيِ الحبيب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسيرته العطرة العامرة بالحب، وإنكار الذات، والتواضع، وحب الخير والرحمة بعباد الله - تعالى - دون تفريق بين عربي وأعجمي، بل جعل الفضلَ بينهما بتقوى الله والعمل الصالح.
كان الحبيب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - مُتواضِعًا تَواضُع العظماء، يكره الكِبْر ويَمقته، وهذه نُبذة يسيرة مِن تَواضُعه مع نفسه، وإخوته من الأنبياء، وأتباعه من الصحابة الكرام؛ ليُدْرِكَ كلُّ مَن يُسيء إليه، ويسخر مِن دين الإسلام الذي دعا إليه مدى الجُرم والخطأ في حَقِّه، وهو إمامُ الأنبياء وخاتمهم، والقائل - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُعطيت خمسًا لم يعطهن أحدٌ قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصَّة، وبُعِثت إلى كلِّ أحمر وأسود، وأُحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحدٍ قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا، فأيما رجلٍ أدركته الصلاة، صَلَّى حيث كان، ونُصِرت بالرُّعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة))؛ متفق عليه.
اعلموا - معشر المسلمين والعجم - أنَّه بلغ من تواضُعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه كان يزور الأنصار، ويُسَلِّم على صبيانِهم، وكان - عليه الصلاة والسلام - يأتي ضُعفاء المسلمين، ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم.
وكان يجلس على الأرض، كما يجلس العبد، ويأكل على الأرض، كما يأكل العبد، ويجيب الدعوة، ويتصدق كمن لا يخشى الفقر.
وكان مِن خُلُقِه وتواضُعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه يرفض أنْ يقومَ له أصحابه وينهاهم عن ذلك.
وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: "ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له؛ لِما يعلمون من كراهيته لذلك"؛ رواه الترمذي وصححه الألباني في المشكاة ح/ 4698.
وكره من صحابته أنْ يُعظموه كما يفعل النصارى بعيسي - عليه السَّلام - فقال: ((لا تطروني كما أطْرت النصارى عيسى ابن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله))؛ رواه الدَّارمي.

أما عن تواضُعه مع إخوانه من الأنبياء، فحدِّث ولا حرج.
وإليكم ما ثبت من سيرته العطرة؛ لعَلَّ ذلك يلجم ألسنةَ الحاقدين ممن يَدينون بدين غير الإسلام، الدين الوحيد الذي لَم يتعَرَّض لأنبياء الله ورُسُله بما لا يليق.
الدين الوحيد الذي جعل الإقرارَ والتصديق بنبوة إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من أنبياء الله ورُسُله من ثوابته, وشرطًا لصحة الإيمان بنبوة الحبيب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
لماذا؟
لأن الأنبياء إخوة، دينُهم واحد وأمهاتهم شتى، ورسالتهم لقومهم واحدة: الدعوة لعبادة الله - تعالى - وتوحيده.
لم يكن يُحِبُّ لأحد من رَعِيَّتِه أن يفضله على نبيٍّ من أنبياء الله ورُسُله - عليهم السلام أجمعين.
رَغْمَ أحقيته في ذلك بإخبار الله - تعالى - له وإعطائه ما لم يعطِ نبيًّا من الأنبياء من قبله.
وعن أبي هريرة قال: "استَبَّ رجلان: رجل من اليهود، ورجل من المسلمين، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - على العالمين، وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى - عليه السَّلام - على العالمين، قال: فرفع المسلم يدَه عند ذلك، فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهوديُّ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبره بما كان من أمره وأمرِ المسلم، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تخيروني على موسى، فإنَّ الناس يصعقون، فأكون أولَ مَن يُفيق، فإذا موسى باطشٌ بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صُعِقَ فأفاق قبلي، أم كان ممن استثنى الله))"؛ متفق عليه.
وكان الحبيبُ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن تواضُعه يترحَّم على إخوانه من الأنبياء، كلما رأى من الناس غِلْظة وشِدَّة، ويُثني على مكانتهم عند الله - تعالى - وحلمهم وصبرهم على قومهم بما يليق بمنزلتهم السامية.

وعن عبدالله - رضي الله عنه - قال: "لما كان يوم حنين آثر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ناسًا أعطى الأقرع مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناسًا، فقال رجل: ما أُرِيدَ بهذه القسمة وَجْه الله، فقلت: لأخبرن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((رحم الله موسى قد أوذي بأكثرَ من هذا فصبر))"؛ أخرجه البخاري، ح/ 2917.
وعن عبدالله بن جعفر قال: "كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما ينبغي لنبيٍّ أن يقول: إنِّي خير من يونس بن متى))"؛ صحيح، انظر: صحيح الجامع للألباني، ح/ 5821.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياءُ أبناءُ عَلاَّت، وليس بيني وبين عيسى نبي))؛ أخرجه مسلم، ح/ 4361.
وهكذا بلغ تواضُعه مع إخوانه من الأنبياء مَبلغًا عظيمًا، ولا يُنكر فضلَه ومكانته وعُلُوَّ منزلته عند الله، فضلاً عن نبوته، إلاَّ حاقدٌ وجاهل أعمى الله بَصَرَه وبصيرته.
بل إنَّ أنبياء الله جميعًا بشَّروا بنُبُوته وبعثته وفضله عليهم، وما يدُلُّ على فضله عنهم قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمَثلِ رجل ابتنى بيوتًا، فأحسنها وأجملها وأكملها، إلاَّ موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان، فيقولون: ألا وضعت ها هنا لبنة، فيتم بنيانك، فقال محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: فكنت أنا اللبنة))؛ أخرجه مسلم، ح/ 4238.
أمَّا عن رحمته بأمته، فهذا يَحتاج لكتاب، ولا تكفي هذه العجالة, وكفى بقوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
أمَّا عن عفوه ورحمته باليهود، رغم أنَّهم أهل بهتان وغدر، فكثيرٌ جِدًّا، منها على سبيل المثال لا الحصر:
عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ اليهود أتوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السَّامُ عليك، قال: ((وعليكم))، فقالت عائشة: السام عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مهلاً يا عائشة، عليكِ بالرِّفق وإيَّاك والعنفَ أو الفُحْشَ))، قالت: أَوَلَم تسمع ما قالوا؟ قال: ((أولم تسمعي ما قلتُ؟ رَدَدْتُ عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يُستجاب لهم فِيَّ)).
وفي رواية لمسلم: ((لا تكوني فاحشة، فإنَّ الله لا يحب الفُحش والتَّفَحُّش))؛ متفق عليه، واللفظ للبخاري.
و"عن أنسٍ أنَّ امرأة يهودية أتت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بشاةٍ مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، قال: ((ما كان الله ليسلطك على ذاك))، قال: أو قال: ((عَلَيَّ))، قال: قالوا: ألاَ نقتُلُها؟ قال: ((لا))، قال: فما زلت أعرفها في لَهَوَات رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ أخرجه مسلم ح/ 4060.
معشر المسلمين والعجم:
يقول نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلاَّ كان من أصحاب النار))؛ أخرجه مسلم، ح/ 218.
ومسك الختام لهذه المقالة عن رحمته وعدله هذه الآية الكريمة، التي أوحاها الله إليه لمن يبتغي الحق من أهل الكتاب:
قال - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].
نقول بعد كل ما طرحناه من أدلة: هذا هو نبي الإسلام، هذا هو نبينا المبعوث رحمة للعالمين، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
وكتبه / الكاتب والداعية الإسلامي المصري سيد مبارك
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

webune

flagcounter

احصائيات وترتيب الموقع


Free Page Rank Tool