الوصايا الذهبية العشرة للسعادة الزوجية
بواسطة
, 7th January 2011 عند 11:36 AM (2427 المشاهدات)
الوصايا الذهبية العشرة للسعادة الزوجية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئا ت أعمالنا, من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له , و أشهد أن لا أله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .أما بعد
الزواج آية من آيات الله تعالي عليها فطر الناس عليها فهو سبحانه خلق ادم من تراب ثم خلق له حواء لتكون له زوجة تؤنس وحدته ويشعر معها بالمودة والرحمة والسكينة .
..قال تعالي :
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) )الروم /21
قال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 567) ما مختصره:
قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } أي خلق لكم من جنسكم إناثا يكن لكم أزواجا { لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا } ..يعني بذلك حواء خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر إما من جان أو حيوان لما حصل هذا الإئتلاف بينهم وبين الأزواج بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة ورحمة وهي الرأفة فإن الرجل يمسك المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك( إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) اهـ
قلت "أنا سيد مبارك" ومعلوم أن المودة والرحمة هي أساس الحياة الزوجية السعيدة وانقطاعهما أو ذهابهما من قلب كل من الزوجة وزوجه بداية النهاية للحياة الزوجية, ومن ثم نطرح هنا في عدة مفالات متتالية ومكتملة عشرة من الوصايا الذهبية فتح الله بها علي وبخبرة 25 عاما في الدعوة والإرشاد والاستماع لمشاكل العديد من الرجال المتزوجين والنساء المتزوجات أستطيع أبين في الوصايا الداء والدواء والله المستعان
وهذه هي أول الوصايا الذهبية للسعادة الزوجية وسوف نطرح الوصايا كلها والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
الوصية الأولي
رضي كل من الزوجين عن الآخر والتجاوز عن العيوب
الحياة الزوجية أخذ وعطاء.. عسر ويسر ..سعادة وشقاء
وهي ليست سعادة دائمة ولا شقاء دائم , وإنما بين هذا وذاك وكل ما ينبغي علي كل من الزوجين أن يفعله هو الوصول لأعلي درجات السمو الروحي بينهما في العطاء والمحبة كي تستقر دعائم عش الزوجية علي أسس متينة من الثقة والاحترام المتبادل بين كل من الزوج وزوجه ومعرفة كل منهما لحقوق الآخر عليه.
ومما لاشك فيه أن الوصول لهذه المكانة من السمو لا يتحقق بين يوم وليلة , ولا بين قلبين متنافرين متباعدين يكره كل منهما الآخر لشيء فيه ينفره منه .
بل بين قلبين متحابين متعاونين وبالتفاهم وإنكار الذات القائم علي مراعاة حق الله تعالي مع إدراك إن الإنسان بطبيعة خلقته ضعيفاً,وبالتبعة يكثر خطأه وزلاته غير المتعمدة خصوصا بين زوجين جمعهما الله تعالي, ورضي الزوج بها زوجة وأماً لأولاده وأتمنها علي عرضه وماله, وهي مثله رضيت به زوجاً لها وأبا لأولادها وحفظته في نفسها وبيته..
قال تعالي (.. وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفاً (28 )-النساء
قال الشوكاني في فتح القدير (1/682) في تفسيرها ما مختصره:
{ وخلق الإنسان ضعيفا } عاجزا غير قادر على ملك نفسه ودفعها عن شهواتها وفاء بحق التكليف فهو محتاج من هذه الحيثية إلى التخفيف فلهذا أراد الله سبحانه التخفيف عنه.اهـ
وإذا كان المولي سبحانه يخفف علي الإنسان لضعفه فينبغي لكل من الزوجين التجاوز عن أي هفوة أو زلة من الطرف الآخر ولا يطلب من شريكه أن يكون مثاليا خالياً من العيوب, ولهذا أوصي النبي صلي الله عليه وسلم الرجل بتجاوز بعض الهفوات من الزوجة لضعفها فقال :
" لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر أو قال غيره( مسلم في الرضاع ح/1469 )
قال النووي في شرح الحديث:
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر أو قال : غيره ) يفرك بفتح الياء والراء وإسكان الفاء بينهما قال أهل اللغة فركه بكسر الراء يفركه إذا أبغضه ( والفرك ) بفتح الفاء وإسكان الراء البغض.. ثم قال –رحمه الله-
أي ينبغي أن لا يبغضها , لأنه إن وجد فيها خلقا يكره وجد فيها خلقا مرضيا بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك . اهـ
وما يقال عن التغاضي عن عيوب الزوجة يقال مثله عن الزوج فكلنا ذو خطأ ولا عصمة إلا للأنبياء, ولتصبر الزوجة وتغض طرفها عن عيوب زوجها ولا تكفرن العشير .
-عن ابن عباس – رضي الله عنهما:قال النبي صلى الله عليه وسلم أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن قيل أيكفرن بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط( مسلم في الكسوف ح/907 )
ومن ثم ينبغي ان يتوقع كل من الزوجين بعض التجاوزات التي قد ينفر منها الطرف الآخر
, ولو جرب كل من الزوجين هذه النصيحة وتجاوز كل منهما عن عيوب شريكة وسيئاته مع النصيحة الطيبة للإصلاح ولو بالتدرج, وملئت عينيه مميزاته وحسناته ومدحها وذكاها لوجد كل منهما من شريكه العجب العجاب
الوصية الثانية
تزين ونظافة كل من الزوجين للآخر عند المعاشرة وغيرها
من البدهي أن يتطلع كل من الزوجين في لفت نظر وإعجاب الطرف الأخر هذا أن كانا متحابين متعاونين علي إرساء دعائم عش الزوجية , وتزين وتجمل كل منهما للآخر يزيد من الترابط ويساعد علي غض البصر عن الحرام .
قال الإمام السيوطي في كتابه( الإيضاح في علم النكاح ):
إن الفقهاء أكثروا من نصح النساء باستكمال زينتهن داخل المنازل , وذلك بتسريح الشعر وتزيينه , والتطيب بالطيب أمام الزوج حتي يطيب قلبه " اهـ
ومن المعلوم أن النساء من أخطر الفتن علي الرجال والزوج رجل منهم تقع عينية بقصد وتعمد أو بدونه علي نساء متبرجات كاسيات عاريات يختلط بهن في الشارع والعمل وما أشبه ذلك , وربما تتعمد بعضهن أثارته, وإهمال الزوجة التزين لزوجها يجعله يفتتن بهن وقد يقع فيما حرم الله تعالي ولو بالنظر والإعجاب .
ويجب أن تدرك الزوجة أن زوجها ليس ملاك بل هو بشر ضعيف وإن أظهر غير ذلك, فإن لم يستمتع بالحلال ويقطع شر شهوته معها فمع من ؟!
وعلي الزوج أن يدرك أن زوجته مثله تماماً , وله في ابن عباس رضي الله عنهما قدوة فقد روي إنه قال( - أنظر الجامع لأحكام القران للقرطبي 3/88):
إني لأتزين لزوجتي كما تتزين لي وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها علي لأن الله تعالي قال: (ولَهُنَّ مِثْلُ الَذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )-228 البقرة
, قال ابن الجوزي: في -صيد الخاطر (1/201)-ما مختصره:
فينبغي للعاقل أن يكون له وقت معلوم يأمر زوجته بالتصنع له فيه ثم يغمض عن التفتيش ليطيب له عيشه و ينبغي لها أن تتفقد من نفسها هذا فلا تحصره إلا على أحسن حال و بمثل هذا يدوم العيش.
ثم قال:
و يحتاج في حالة الإعراض إلى صبر عن أعراضه و في حالة الاستبدال إلى فضل مؤنه و كلاهما يؤذي و متى لم يستعمل ما وصفنا لم يطب له عيش في متعه و لم يقدر على دفع الزمان كما ينبغي .اهـ
- وينبغي هنا بيان أمر هام يغفل عنه بعض الأزواج ألا وهو النظافة الجسدية عند المعاشرة فهي لاشك تزيد من الألفة والترابط الروحي ولقد حث النبي صلي الله عليه وسلم عليها فقال " الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب "( البخاري في اللباس ح/5889, ومسلم في الطهارة ح/257)
ومن ثم ينبغي العناية بالنظافة الجسدية سواء ما ذكرناه هنا أو غيره مما حث عليه أهل الطب وهم أهل الذكر في ذلك , لأنها تضفي علي النفس بهجة وصفاء ومن أعظم وأجدي عوامل النجاح في علاقات جنسية مثالية وبالتبعة استقرار السعادة الزوجية لرغبة كل من الزوجين في الآخر وعدم نفوره منه.
الوصية الثالثة
أحياء المناسبات السعيدة بينهما بهدية تلهب المشاعر أو كلمة رقيقة
لا تخلو الحياة الزوجية من مناسبات مشتركة بين كل من الزوجين كترقية للزوج في العمل أومناسبة سعيدة للزوجة أو ما أشبه ذلك.
واستغلال كل من الزوجين هذه المناسبات لإعادة نبض المحبة والألفة الذي كاد أن يتوقف علاقتهما الزوجية أما لكثرة الهموم والغموم أو مشاكل الأبناء التي لا تنتهي ابدأ أو غير ذلك.
وهذه النصيحة يجب أن يراعيها كل منهما , ونحن ندعو إلي إحياء هذه المناسبات بينهما في خصوصية لا يطلع عليها إلا هما ولا يشاركهما فيها أحد .
كما أننا نحذر من استمرار الفتور في العلاقة الزوجية وإهمال مثل هذه المناسبات بحجة راح الشباب وانقضي العمر أو لا وقت لمثل هذا الترف ..الخ
فهذا جهل من لا يفكر إلا في نفسه ولا يعرف لشريكه حقاً.. وهذا الإهمال يحاسب الله تعالي المرء عليه حتي لو كان إهماله بسبب العبادة .
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل قلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا"( البخاري في النكاح ح/5199)
والكلمة الرقيقة الطيبة لها مفعول السحر في زيادة جرعة السعادة الزوجية ولقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يرخم اسم عائشة-رضي الله عنها – لإدخال السرور عليها فيقول لها " ياعائش" ويكنيها فيقول لها " يا أم عبد الله ", ومثل هذه المجاملات لا تحتاج لمشقة ولا تصنع بل هي من الأمور الهينة المحببة للنفوس السوية .
وبذلك يحدث المقصود وتنقشع الغشاوة عن القلوب فتنبض بالشكر والعرفان والتقدير ويحدث التفاني في إسعاد كل الزوجين للاخر والله المستعان .
الوصية الرابعة
الصبر علي هفوات الزوجة عند تبدل الحال والعذر
المرأة ينتابها أعذاراً شتي كثيرة كالحيض والنفاس والحمل ..الخ , ومثل هذه الأحوال تؤدي إلي تقلبها بين الفينة والفينة.
وكل ذلك وغيره له تأثير علي نفسيتها وتلك هي طبيعتها ولو كانت شديدة الذكاء ..غزير العلم ..حليمة.. صبورة ..فالمرأة هي المرأة لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم:
"إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها"( مسلم)
قال النووي :
قال أهل اللغة : العوج بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبهه , وبالكسر ما كان في بساط أو أرض أو معاش أو دين , ويقال : فلان في دينه عوج بالكسر هذا كلام أهل اللغة . ثم قال:
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع وفي هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن , وكراهة طلاقهن بلا سبب وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم .اهـ
وأري من المناسب هنا بيان حالة المرأة من الناحية الطبية والنفسية عند حدوث مثل هذه الأعذار حتي لا يظلمها الرجل والله المستعان.
قال صاحب كتاب " القران والطب " ما مختصره:
دورة الحيض رغم كونها طبيعية إلا إنها تسبب للنساء ألاما شتي , فإنهن يجدن في زمن الحيض انحرافا في مزاجهن, ويشعرن بتعب عام في أجسامهن ويقاسين في بعض الأحيان ألاما شديدة في أصلابهن , ويعانين حدة في طبعهن إلي غير ذلك من الآلام التي تعتبر في ذاتها أعراضا للطمث والحيض .اهـ
ومن ثم يجب علي الزوج الصبرعلي تقلبها ولا يأخذ ذلك ذريعة لضربها والاعتداء عليها , ولا ينفعل لمجرد كلمة تؤذيه من زوجته في مثل هذه الأحوال وغيرها وله في رسول الله صلي الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كانت نساؤه يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلي الليل.
الوصية الخامسة
حسن الخلق والمعاشرة بالمعروف
أن مما يثري الحياة الزوجية إن يدرك كل من الزوجين ماله وما عليه من الحقوق والواجبات وان تكون المعاشرة بينهما لتحقيق ذلك قائمة علي حسن الخلق والتفاني والصبر والعطاء وإنكار الذات .
أما لو كانت العلاقة قائمة علي الاذي والتنصل من حقوق الطرف الآخر ومحاولة السيطرة علي مقادير العلاقة الزوجية فهذا لا يبني بيتاً سعيدا قط بل يجعل العلاقة القائمة علي المودة والرحمة علاقة شاذة قائمة علي الحقد والأنانية.
قال تعالي ( وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19))-النساء 19
قال ابن كثير في شرحها ما مختصره:
قال تعالى : { وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى : (ولَهُنَّ مِثْلُ الَذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )- البقرة /228 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ] ( أنظر صحيح الجامع ح/3314)
وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر يداعب أهله ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته ويضاحك نساءه ..
ثم قال:وقوله تعالى { فَإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } أي فعسى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن فيه خير كثير لكم في الدنيا والاخرة كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولدا ويكون في ذلك الولد خير كثير.اهـ
الوصية السادسة
عدم الانفراد بالرأي في حل المشاكل والأزمات
الحياة الزوجية لا تخلو قط من المشاكل والأزمات التي قد تعصف بها .. ومما يفسد العلاقة الزوجية ويذهب ببهائها وسعادتها الانفراد بالرأي وتسفيه أراء الطرف الآخر وتجاهله ومخالفته حتي لو كان علي صواب كبراً وعلواً..
والزوج بصفة خاصة بما أعطاه الله من القوامة عليه أن يراعي هذا الأمر , ويجعل لزوجته الحق في إبداء ما تراه من حلول في مشاكل البيت التي لا تنتهي ابدأ ..
ولا يتحجج الزوج بقول النبي صلي الله عليه وسلم عن النساء أنهن" ناقصات عقل ودين "( البخاري في الحيض ح/304 , ومسلم في الإيمان ح/80)..
فهذ لا يعيبها لأن نقصان العقل سببه فوران العاطفة وليس الغباء وعدم تقديرها للأمور فلا حجة به البتة , ونقصان الدين سببه ما كتبه الله عليها من حيض ونفاس يصيبها لحكمته تعالي فيها فتمتنع بأمره وأمر رسوله صلي الله عليه وسلم عن الصلاة والصيام وغير ذلك مما هو معروف في كتب الفقه مدة العذر وليس لها في ذلك من الأمر شيء.
أما الاستشهاد بأحاديث مثل حديث"هلكت الرجال حين أطاعت النساء " أو حديث:" شاوروهن وخالفوهن " فالأول ضعفه الألباني والثاني قال –رحمه الله –لا أصل له " انظر السلسلة الضعيفة (1/ ص625 )
وأما حديث" لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " الذي أخرجه البخاري في صحيحه فهو واقعة حال وليس علي إطلاقه أي لا يلزم لكل النساء ..قال الألباني:
_ "والحديث ليس معناه صحيحا على إطلاقه فقد ثبت في قصة صلح الحديبية من صحيح البخاري أن أم سلمة رضي الله عنها أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم حين امتنع أصحابه من أن ينحروا هديهم أن يخرج صلى الله عليه وسلم ولا يكلم أحدا منهم كلمة حتى ينحر بدنه ويحلق ففعل صلى الله عليه وسلم فلما رأى الصحابة ذلك قاموا فنحروا . ففيه أنه صلى الله عليه وسلم أطاع أم سلمة فيما أشارت به عليه فدل على أن الحديث ليس على إطلاقه . ومثله الحديث الذي لا أصل له شاوروهن وخالفوهن "( أنظر السلسلة الضعيفة للألباني ح/436)
ومن ثم فأن المشاركة في الرأي ينمي الإحساس بالمسئولية وهي مسئولية ليس هينة وكل من الزوج وزوجه عليهما أثم التفريط فيها ودليل ذلك قوله صلي الله عليه وسلم:
" ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "( البخاري في الوصايا ح/ 2751)
الوصية السابعة
إجابة رغبات كل من الزوجين في الفراش
المعاشرة الجنسية والارتواء الجنسي حق لكل من الزوجين والزواج هو الوسيلة الوحيدة التي أباحها الشرع لإشباع الغريزة الجنسية وهي أخطر غرائز الإنسان علي الإطلاق , وذلك حفظاً للنفس من الوقوع فيما حرم الله تعالي .
ومن حق الزوج أعفاف نفسه وليس للزوجة الرفض ألا لعذر كمرض يمنع من الاستمتاع , ولتعلم إن في رفضها إطاعة أمر الزوج في الفراش لغضب أو للضغط عليه لتحقيق مطلب خاص لها أو ما أشبه ذلك فيه ترهيب شديد من ذلك قوله صلي الله عليه وسلم:
- " "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"(البخاري في النكاح ح/5193, ومسلم في النكاح ح/1736 )- وفي رواية "حتي ترجع"
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح ) وفي رواية ( حتى ترجع ) هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي وليس الحيض بعذر في الامتناع لأن له حقا في الاستمتاع بها فوق الإزار . ومعنى الحديث أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع الفجر والاستغناء عنها أو بتوبتها ورجوعها إلى الفراش .اهـ
وكما قال النووي ليس الحيض عذرا للامتناع ومن حق الزوج الاستمتاع بزوجته كيفما شاء ويحرم عليه الجماع في الحيض أو الدبر وغير ذلك فهذا شأنه.
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
(كان إحدانا إذا كانت حائضا أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتزر بإزار ثم يباشرها)(مسلم في الحيض ح/293 ) .. ومما لا ريب فيه إن الاستمتاع الجنسي دون جماع يزيد من حب المراة لزوجها ..لماذا ؟
لأنها يسعدها قطعاً أن تعلم إن زوجها لا يريدها للفراش الجنسي فقط وأنها هي مرغوبة في كل وقت حتي في أيام حيضها التي يحرم عليه فيه جماعها .
وكذلك من حق المرأة إعفاف وتحصين نفسها ولا يجوز هجر زوجها لها في الفراش عمداً ليضرها أكثر من أربعة اشهر ,فأن أبي الزوج إعفافها فقد قررت لها الشريعة حق الطلاق وفسخ العلاقة الزوجية- وهو ما يعرف بالإيلاء
-والإيلاء لغة الحلف وشرعاً الامتناع باليمين من وطء الزوجة والأصل فيه قوله تعالى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ }(البقرة/226) فإنها نزلت لإبطال ما كان عليه الجاهلية من إطالة مدة الإيلاء فإنه كان الرجل يولي من امرأته سنة وسنتين فأبطل الله تعالى ذلك وأنظر المولي أربعة أشهر فإما أن يفيء أو يطلق..وانظر سبل السلام للصنعاني ( 1/164 )-كما لا يجوز له ان يهجرها بحجة العبادة والصلوات وما أشبه ذلك.
- وروى الشعبي أن كعب بن سوار كان جالسا عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي والله انه ليبيت ليلة قائما ويظل نهاره صائما فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت راجعة فقال كعب يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها فلقد أبلغت إليك في الشكوى فقال لكعب اقض بينهما فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم قال فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن فأقضي بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما رأيك الأول بأعجب من الآخر أذهب فأنت قاض على البصرة وفي لفظ نعم القاضي أنت ( والقصة صحيحة وانظر إرواء الغليل للألباني ح/2016)
ومما يجب التنبيه عليه هنا هو خطورة الخروج عن حدود الله بجماع الزوجة في الحيض أو الدبر .
لأن الخروج عن حدود الله يؤدي حتماً إلي الشقاء وليس إلي السعادة ..إلي الحقد والكراهية وليس إلي المودة والرحمة , وكفي أن الله تعالي وصف الجماع في الحيض بأنه أذي ليرتدع من تسول له نفسه ارتكاب ما حرم الله تعالي .
قال تعالي (ويَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ (222) )-البقرة.
ولأن هذه المسألة مما تعكر صفو الحياة الزوجية لجهل الأزواج بخطورتها فنسجل هنا رأي طبي لمن لا يفقهون الدين ولا يعرفون له طاعة لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم ويريدون دوماً ما يقنع عقولهم ويبتغون الرأي العلمي..قال صاحب كتاب " القران والطب " د-محمد وصفي)ما مختصره:
إن الحيض والوطء أثناءه هو من أهم الأسباب المهيأة لتعفن الرحم الذي فضلا عن انه يسبب العقم فهو من اشد الأمراض إيلاماً للمرأة , حيث تقاسي منه ألاماً في الحوض لا تطاق فضلا عن ارتفاع درجة الحرارة والمضاعفات الأخرى الخطرة , التي تكون نتيجة ذلك التعفن ولعل أهمها إصابة ملحقات الرحم .. وعن الأضرار التي تصيب الزوج قال :
التهابات حادة تصيب أعضاءه التناسلية , إذ تمتد الجراثيم إلي القناة البولية بل قد تصيب المثانة والحالبين . بل قد تمتد الالتهابات حتي تصيب غدة كوبر والبروستانا والحويصلتين المنويتين والخصيتين والبربخ .اهـ
ومما يجب التنبيه عليه هنا لإهمال الكثير له أن الجماع أثناء الحيض يلزمه كفارة .. قال الألباني في- أدب الزفاف ص/50 -ما خلاصته:
من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها ، فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها ، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، قال :
( يتصدق بدينار أو نصف دينار )( صحيح سنن أبي داود"-ح/264 )
ثم قال: وذهب على العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر أسماءهم الشوكاني في النيل ، وقواه . اهـ
قلت: وهذا عمن غلبته نفسه وزهو يؤمن بحرمة ذلك أو فعل ذلك جهلاً بالحرمة أو ناسياً أما غير ذلك كمن يتعمد الجماع ويستحل ذلك دوماً فهو يرد أمراً معروف بالدين بالضرورة.
ثم أن كان كل هذا الأذي لمن يجامع زوجته في الحيض فكيف بمن يفعل ذلك في الدبر!!
لا بأس من التنبيه علي ذلك ببيان واضح ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة والله المستعان .
-قال تعالي ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)-البقرة 223
- وقال النبي صلي الله عليه وسلم " ملعون من أتى امرأته في دبرها ".( أنظر صحيح سنن أبي داود للألباني ح/2162).
-ولقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-في مجموع الفتاوي (32/266)
عما يجب على من وطئ زوجته في دبرها وهل أباحه أحد من العلماء؟
فأجاب الحمد لله رب العالمين الوطء في الدبر حرام في كتاب الله وسنة رسوله وعلى ذلك عامة أئمة المسلمين من الصحابة والتابعين وغيرهم فإن الله قال في كتابه" نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ "-البقرة 232
وقد ثبت في الصحيح إن اليهود كانوا يقولون إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فسأل المسلمون عن ذلك النبي فأنزل الله هذه الآية "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم "(أخرجه مسلم في النكاح ح/1435 )-
والحرث موضع الزرع والولد إنما يزرع في الفرج لا في الدبر "فأتوا حرثكم" وهو موضع الولد "أنى شئتم" أي من أين شئتم من قبلها ومن دبرها وعن يمينها وعن شمالها فالله تعالى سمى النساء حرثا وإنما رخص في إتيان الحروث والحرث إنما يكون في الفرج وقد جاء في غير أثر أن الوطء في الدبر هو اللوطية الصغرى وقد ثبت عن النبي أنه قال" إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في حشوشهن "( أخرجه السيوطي وأنظر صحيح الجامع ح/934
)- والحش هو الدبر وهو موضع القذر والله سبحانه حرم إتيان الحائض مع أن النجاسة عارضة في فرجها فكيف بالموضع الذي تكون فيه النجاسة المغلظة .اهـ
وبعد... أنما اطلنا في هذه النصيحة لخطورتها علي استقرار العلاقة الزوجية لأن أرواء الغريزة الجنسية من أهم مقاصد الزواج وبالتالي لها تأثير علي استمرار السعادة الزوجية سلبا وايجابا تبعاً لتفهم كل من الزوج وزوجه لحقوق كل منهما الآخر فضلا عن عدم الخروج عن حدود الله تعالي.
الوصية الثامنة
عدم حمل كل من الزوجين مالا يطيقه الطرف الآخر
إن مما يعكر صفو السعادة الزوجية أن يشعر الرجل بعجزه عن القوامة علي المرأة والإنفاق عليها وعدم استطاعته تلبية مطالبها وهو الذي يعمل ويشقي يومه كله سعياً للرزق الحلال , وكذلك أن مما يثقل علي قلب الزوجة كثرة الضغوط عليها داخل منزلها فهي مطالبة بطهي الطعام ونظافة البيت وغسل الملابس وكيها وتربية الأولاد وتوجيهم ورعايتهم داخل البيت وربما خارجه هذا فضلا عن تلبية رغبات الزوج الشرعية وعدم إهمال حقوقه وشراء ما يلزمهم جميعا !!
فمن الذي يطيق كل هذا ؟
وأننا عندما نتوجه بهذه النصيحة للمتزوجين لا نخص بها الزوج وحده لأنه المسئول عن السعي والإنفاق ..كلا ..
وإنما نخص بها الزوجة أيضاً لأن كلاهما يتحمل بصبر ورضا وإحساس بالمسئولية ما لا طاقة له به .
وأن كان هذا فيما هو لاغني عنه من الاحتياجات الأساسية لاستقرار الحياة الزوجية وسعادة الأبناء واستغنائهم عن الناس , فأن من الجور وعدم تقدير الأمور أن يحمل كل من الزوجين الطرف الأخر مطالب أضافية تفوق قدراته وتثقل كاهله وتحطم معنوياته وتذبذب ثقته في نفسه وتصيبه بالأمراض النفسية والعصبية .
ومن ثم لابد لكل من الزوجين عدم حمل الطرف الآخر ما يزيد من ضيقه وتبرمه , فلا تطلب الزوجة من زوجها مطالب يعجز الزوج لضعف حالته المالية أن يحققها لها لأنه أن فعل فسوف يستدين وهذا يؤدي قطعاً إلي زيادة الديون وعجز دائم في ميزانية البيت وهم وغم لا ينقطعان ومن ثم ينبغي عدم إرهاقه بما يفوق قدراته المالية والاكتفاء بالضرورات الملحة الي حين ميسرة لأن كل ما يرهق الزوج يرهق الزوجة أيضاً تبعاً لذلك.
ولتتذكر قول الله تعالي : (إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) )-الزمر
-وقول النبي صلي الله عليه وسلم " سعادة لابن آدم ثلاث وشقاوة لابن آدم ثلاث فمن سعادة ابن آدم الزوجة الصالحة والمركب الصالح والمسكن الواسع وشقوة لابن آدم ثلاث المسكن السوء والمرأة السوء والمركب السوء . "(أنظر صحيح الجامع ح/3629 )
ولتقدي بصحابيات النبي صلي الله عليه وسلم فقد كانت الواحدة إذا أراد زوجها الخروج من البيت تقول له : إياك والحرام فإنا نصبر علي الجوع ولا نصبر علي النار... فكوني زوجة صالحة تعين زوجها علي الدهر ولا تعين الدهر عليه .
والزوجة الصالحة الذكية حقاً تستطيع برجاحة عقلها وسمو روحها وبالقناعة واستغلال المتاح أن تجعل من بيتها وأسرتها الصغيرة جنة ترفرف السعادة علي أفرادها جميعاً.
والزوج أيضا مطالب بمشاركة الزوجة ببعض أعبائها الكثيرة سواء في البيت أو خارجه كلما تيسر له ذلك للتخفيف عنها وهذا منه ذكاء وفطنة من جهتين :
الأولي: رفع معنويات الزوجة لإدراكها أن زوجها يقدر تعبها وتضحياتها بمساعدته لها في بعض شئون البيت ولو كانت يسيرة, فيعينها ذلك علي المضي قدماً بلا كلل أو شكوى في مهمتها كربة بيت تعمل علي تثبيت دعائم بيتها لحياة مستقرة سعيدة .
والثانية: كسب احترام الزوجة له وثقتها فيه وزيادة تعلقها به وبالتالي عدم إهمال حقوقه لحرصها علي إرضاءه وسعادته كما أسعدها , وهذا بلا ريب يزيد من ترابط العلاقة بينهما علي أسس متينة من التفاني والإخلاص , وإنكار الذات ..الخ
و للزوج في ذلك النبي صلي الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في البيت قالت كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج"( البخاري في النفقات ح/5363)
وقال الألباني في- آداب الزفاف "ص/218"- ما نصه:
"هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك إذا وجد الفراغ والوقت بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين .اهـ
ومن ثم ينبغي علي كل من الزوجين عدم تحميل الطرف الآخر مالا يطيق ولهما معا هذه الآية الكريمة :
(لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) -الطلاق
الوصية التاسعة
إفشاء السلام والبشاشة عند الدخول لمنزل الزوجية
أن مما يقرب القلوب ويزيد من الألفة والمحبة بين الزوجين إفشاء السلام وحسن استقبال كل من الزوج لزوجه عند دخوله منزل الزوجية, ومما ينفرهما ويبعدهما تعمد ترك إفشاء السلام أو نسيانه لأن الشيطان عندئذ ينفث سمومه لنشر الحقد والوقيعة . لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم :
" لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم "( مسلم في الإيمان ح/54)
قال النووي في شرح الحديث ما مختصره:
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ) فهو على ظاهره وإطلاقه فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنا وإن لم يكن كامل الإيمان , فهذا هو الظاهر من الحديث .. وأما قوله : ( أفشوا السلام بينكم ) فهو بقطع الهمزة المفتوحة . وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم ; من عرفت , ومن لم تعرف .. ثم قال:
والسلام أول أسباب التالف , ومفتاح استجلاب المودة . وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض , وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل , مع ما فيه من رياضة النفس , ولزوم التواضع , وإعظام حرمات المسلمين .اهـ
قلت:وان كان هذا بين المسلمين فكيف يكون الحال بين الزوج وزوجه ؟!
قال ابن القيم –رحمه الله- في هديه صلي الله عليه وسلم عند دخوله إلى منزله( أنظر زاد المعاد لأبن القيم (2/347)) ما مختصره:
لم يكن صلى الله عليه وسلم ليفجأ أهله بغتة يتخونهم ولكن كان يدخل على أهله على علم منهم بدخوله وكان يسلم عليهم وكان إذا دخل بدأ بالسؤال أو سأل عنهم وربما قال : [ هل عندكم من غداء ؟ ] وربما سكت حتى يحضر بين يديه ما تيسر ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا انقلب إلى بيته : [ الحمد لله الذي كفاني وآواني والحمد لله الذي أطعمني وسقاني والحمد لله الذي من علي فأفضل أسألك أن تجيرني من النار ](أنظر السلسلة الصحيحة للألباني ح/3444 )
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأنس : [ إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهلك ] ثم قال:
وصح عنه صلى الله عليه وسلم [ إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء ](مسلم في الأشربة ح/2018).اهـ
وبعد هذا الكلام القيم لأبن القيم- رحمه الله- يدرك كل من الزوج وزوجه الأجر العظيم الذي يناله في إفشائه للسلام والتبسم والبشاشة عند اللقاء .
ثم ان في استقبال الزوج لزوجه عند دخوله لمنزل الزوجية مع بشاشة الوجه والتبسم ليبعث في القلب تفاؤلاً يمحو كل اثر لهم او غم يعكر صفو العلاقة الزوجية ويعين كل من الزوجين علي المضي قدما ً لإرساء دعائم السعادة الزوجية.
- وقد ثبت عنى النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال :" تبسمك في وجه أخيك لك صدقة .. "( وأنظر صحيح الجامع ح/2908)
الوصية العاشرة والأخيرة
احترام وتوقير الأهل والحث علي صلة الرحم
قد يكون أهل الزوج أو الزوجة كالأم أو الأخ أو غيرهما لا يكفون عن الكيد لأحدهما لسبب من الأسباب مما يجعل الزوج أو الزوجة يرفض ذهاب شريكة لزيارة أهله ويطلب منه القطيعة وربما تخرج منه كلمة بقصد أو بغير قصد فيها إهانة لهم تجرح مشاعر الطرف الآخر ,وهذا كله أمر مرفوض كما إنه لا يؤدي إلي استقرار الحياة الزوجية بل إلي فسادها و يعصف بها ويهدم دعائمها التي تقوم علي المودة والرحمة ,وينبغي معالجة كل ما يتعلق بأهل الزوجين مهما كانت عداوتهم بدون تجريح مع التماس الأعذار لهم والاتفاق علي التزام تعاليم الله ورسوله صلي الله عليه وسلم في علاج المشاكل التي تتعلق بالأهل وفيهما القول الفصل بعيدا عن الهوي والانتصار للنفس انتصار زائف علي أطلال العلاقة الزوجية بينهما .
قال تعالي :" فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) "-محمد
- وقال الذهبي في الكبائر( الكبيرة التاسعة : هجر الأقارب) -ما مختصره وبتصرف يسير :
قال الله تعالى : { واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ }النساء/1
أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها ...
و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
" لا يدخل الجنة قاطع رحم ( أنظر صحيح سنن أبي داود ح/1696)"فمن قطع أقاربه الضعفاء و هجرهم و تكبر عليهم و لم يصلهم ببره و إحسانه و كان غنيا و هم فقراء فهو داخل في هذا الوعيد محروم عن دخول الجنة إلا أن يتوب إلى الله عز و جل و يحسن إليهم .. وإن كان فقيرا وصلهم بزيارتهم و التفقد لأحوالهم .. ثم قال:
-قال صلى الله عليه و سلم : يقول الله تعالى [الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله](أنظر صحيح الجامع 3549 )
وعن علي رضي الله عنهما أنه قال لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع .اهـ
وختاماً ..أسأل الله تعالي أن تكون هذه النصائح العشرة سبباً في إصلاح مابين الرجل وزوجة وان تعين كل زوجين في بداية حياتهما الزوجية علي أدراك سبل السعادة الزوجية و التماس تعاليم الدين والالتزام بها لان فيها خير الدنيا والآخرة
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
وكتبه/ الكاتب والداعية الإسلامي المصري سيد مبارك