كبيرة الكبر، والفخر والخيلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمد صَلَّى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وذريته، ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: موضوعنا الكبائر والتي يظنها الناس صغائر، وليست هي بصغائر، إنما هي كبائر، أو هي من أكبر الكبائر،
أيها الإخوة الكرام:كبيرة الكبر، والفخر والخيلاء، والتيه، الآيات التي تبين أن الكبر من أكبر الكبائر كثيرة جداً من هذه الآيات قوله تعالى:
﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ(27)﴾
( سورة غافر: 27)
أيها الإخوة: لسنا في صدد شرح الآيات شرحاً تفصيلياً، ولكن إشارات خاطفة من لوازم المتكبر في هذه الآية أنه لا يؤمن بيوم الحساب، وهناك من لا يؤمن بلسانه وهؤلاء قلة قليلة، وهناك من لا يؤمن بعمله، إذا فحصت عمله لا تجد فيه انطلاقاً من حساب، أو عقاب أو مسئولية، أو تبعية.
﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)﴾
والله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة أيضاً يؤكد:
﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) ﴾
( سورة النحل: 23)
من أراد أن يحبه الله عز وجل فليتواضع، ومن أراد من يبغضه الله عز وجل فليتكبر، لا يحب المستكبرين لأنهم باستكبارهم استغنوا عن الله،
وباستغنائهم عن الله شقوا في الدنيا والآخرة، لا يحبهم لأنهم سببوا لأنفسهم الشقاء، لأن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي:
لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . كانوا على أفجر قلب رجل واحد . ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . قاموا في صعيد واحد فسألوني . فأعطيت كل إنسان مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " . وفي رواية : " إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي . فلا تظالموا " .
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث:
مسلم - المصدر:
صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2577
خلاصة حكم المحدث: صحيح
آية ثالثة:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) ﴾
( سورة البقرة: 34)
في الآية الأولى قرن الله الكبر بعدم الإيمان باليوم الآخر، وفي هذه الآية قرن الله الكبر بالكفر، بل ربما كان الكبر سبب الكفر.
آية رابعة:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾
( سورة الأعراف: 40 )
باب السماء مغلق عليهم، باب الاتصال بالله ممنوع عليهم، لأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل إلا من كان عبداً له، والعبودية حقيقة، والكبر وهم وضلال.
أيها الإخوة الكرام:
﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾
( سورة الأعراف: 40 )
تتمة الآية، وقد فسرها بعض المفسرين، أن هذا الذي يرى نفسه عظيماً لا سبيل إليه إلى دخول الجنة، إلا أن يعود إلى عبوديته، ويعترف بضعفه، لأن هذه حقيقة، والإنسان في أعلى درجات رقيه، يكون في أعلى درجات عبوديته لله عز وجل، ثم إن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75)﴾
( سورة يونس: 75)
قرن الله الكبر باقتراف الجريمة، وما من جريمة أكبر من أن تجهل الحقيقة العظمة، وأن تكون مجرماً بحق نفسك، ثم إن الله سبحانه وتعالى يبين أن الكبر باطل، وأن المتكبر واهم، وأن المتكبر بعيد عن الواقع، وبعيد عن الحقيقة، وبعيد عن حجمه الحقيقي.
﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾
( سورة فصلت: 15)
هذا ليس وصفاً احترازياً، بل هو وصفي، ليس قيداً احترازياً كما يقول علماء الأصول ولكنه قيد وصفي، من شأن المتكبر أنه ليس بالحق ثم إن قلب المتكبر مطبوع عليه، محجوب عن الحقيقة.
﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)﴾
( سورة غافر: 35)
قلبه مطبوع عليه، محجوب عن الحقيقة، محجوب عن نور الله عز وجل، أما مصير المتكبر فهو إلى النار، أليس في جهنم مثوى للمتكبرين، ثم إن هذا المتكبر أيها الإخوة لن يصل إلى ما يريد، لن يصل إلى ما يبتغي.
﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيه﴾
( سورة غافر: 56 )
الله يحول بينهم وبين ما يطمحون إليه ثم أن الله سبحانه وتعالى ينهى عن أدق مظهر من مظاهر الكبر.
﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾
( سورة لقمان: 18 )
لا تمل خدك كبراً.
﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) ﴾
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾
( سورة يونس: 24 )
له الخلق والأمر، الأمر له وليس لهم.
أيها الإخوة الكرام: مصائر العباد رهن مشيئته، وطوع إرادته، والعباد لا يكونون في أزكى أحوالهم إلا حينما تعنوا جباههم لربهم خاضعين له منيبين إليه، عندئذٍ يعرفون حجمهم، ووضعهم، وضعفهم، فيلزمون حدهم، ولا يتجاوزنه.
أيها الإخوة الكرام: المتكبر مبطل، متطاول، يزعم لنفسه ما ليس لها، والبكر جملة من الخصال الخسيسة، في طليعتها جحد الحق، وجهل الواقع، وسوء العشرة، وتجاوز القدر، وتحقير الفضل، جملة خصائص مرذولة، جملة خصائص مسترذلة.
أيها الإخوة الكرام: هذا عن الكبر، لكن هناك ذل، واستخذاء، وخنوع، ليس من التواضع في شيء، إذا توهم متوهم أن هذا تواضع فقد وقع في خطأ كبير.
أيها الإخوة: أسباب الخنوع، أسباب النفاق، أسباب الاستخذاء، أسباب التطامن، قد يجهل الإنسان حقائق التوحيد، أو يعتقد اعتقاداً فاسداً موهوماً أساسه الشرك فيذل نفسه، ويقبل الدنية في دينه ودنياه، لواحد من أمرين إما لخوف من أن يصاب برزقه، أو أن يصاب بأجله، مع أن الله جل جلاله قطع سلطان البشر عن الآجال والأرزاق، كلمة الحق لا تقرب أجلاً ولا تقطع رزقاً، هذا هو الإيمان، فليس لأحد إليهما من سبيل، وبين الله جل جلاله، في كتابه العزيز أن البشر لو اجتمعوا بأسرهم أذل من أن يمنعوا شيئاً أعطاه الله، وأقل من أن يعطوا شيئاً منعه الله، والآية الكريمة:
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾
على الإطلاق.
﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾
( سورة فاطر: 2)
وقال تعالى:
﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) ﴾
( سورة يونس: 107)
هذا الذل، ليس تواضعاً، إنه ذل الشرك، ذل الشرك، حينما تتوهم أن إنساناً ما بيده رزقك، أو بيده حياتك، فهذا شرك، ومن لوازم هذا الشرك الذل، والضعف، هذا الذل، ذل الشرك، والخوف ليس من التواضع في شيء.
سبب آخر: قد يقصر الإنسان في أداء واجبه فيستحق اللوم والتأنيب، والزجر، فيسكت، ويتواضع، ليس هذا هو التواضع، قد يسيء معاملة الناس، فيأتيه عقاب فيقبل هذا العقاب، ليس هذا هو التواضع.
أيها الإخوة الكرام: هذا الذل ذل الشرك، وذل التقصير، وذل الإهمال، وذل الإساءة ليس من التواضع في شيء، أبداً، هي نتائج طبيعية لذنوب كبيرة، ما أتقنت عملك، فجاءك تقريع من جهة قوية عليك أن تسكت وأن لا تعد هذا تواضعاً، لن تتحقق من حقائق التوحيد فخفت من إنسانٍ وتذللت له وبعت دينك من أجله، ليس هذا تواضعاً، إنه ذل الشرك.
أيها الإخوة الكرام: إن ذلت العبد لعبد مثله باطلة لا ريب، فقد حرم الإسلام على المسلم أن يهون، أو أن يستذل، أو أن يستضعف.
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾
( سورة آل عمران: 139)
أيها الإخوة الكرام: قلت لكم قبل قليل هناك تداخل بين التواضع والذل، وبين العزة والكبرياء، هناك فروق دقيقة بينهما، يستنبط من هذه النصوص أنه لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه،
احتج إلى الرجل تكن أسيره،
واستغني عنه تكن نظيره،
وأحسن إليه تكن أميره،
وشرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناءه عن الناس.
أيها الإخوة الكرام: بينت قبل قليل الفرق بين التواضع والذل، الذل: أسبابه الشرك أسبابه التقصير في أداء الواجبات، أسبابه الإساءة إلى الناس، الشرك أو التقصير، أو الإساءة، يستلزمان التقريع، والضغط، والتخويف، فإذا استخذى المؤمن، أو استخذى الرجل فقد وقع في ذل خطيئته، لا في فضيلة التواضع،
لكن اعتزاز المسلم بنفسه، ودينه، وربه، هو عزة الإيمان، وعزة الإيمان غير كبرياء الطغيان، إنها أنفة المؤمن أن يصغر لجهة، أو أن يتضعضع في مكان، أو أن يكون ذنباً لإنسان، إن العزة ترفع عن مغريات الأرض، ومزاعم الناس، وأباطيل الحياة، انخفاض المؤمن لخدمة المسلمين، والتبسط معهم، واحترام الحق الذي يجمعه بهم، إنها إتيان البيوت من أبوابها وطلب العظمة من أصدق سبلها، من كان يريد العزة، وطلب العزة فطرة أيها الإخوة، كما أنك محتاج إلى الطعام والشراب من أجل أن يبق جسمك حياً، وكما أنك محتاج إلى النسل من أجل أن يبق النوع مستمراً كل إنسان محتاج إلى أن يؤكد نفسه، إما أن يؤكدها بقناة نظيفة سنها الله عز وجل، أن تطيع الله فيرفعك.
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ﴾
( سورة الشرح: 1 ـ 4)
وكل مؤمن له من هذه الآية نصيب، على قدر إيمانه، وعلى قدر عمله، وعلى قدر إخلاصه.
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ﴾
فمطلب نفسي في أن تؤكد ذاتها، وأن يشعر الناس بأهميتها، هذا مطلب فطري، إما أن يؤدى عن طريق إيقاع الأذى بالناس وهذا سبيل الشيطان، وإما أن يؤدى عن طريق طاعة الواحد الديان، وهذا مما يرفع الإنسان في نظر الناس جميعاً.
أيها الإخوة الكرام: من كان يريد العزة فالله العزة جميعا، اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت، فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت، ولكن للعزة أسباب إليك هذه الأسباب، العزة حق يقابله واجب، وليس يسوغ لامرئ أن يطالب ماله حتى يؤدي ما عليه، إذا كلفت بعمل فأديته على أصح وجوهه عندئذٍ لا سبيل لأحد عليك، ولا يستطيع من فوقك، ولا من دونك أن يتعرض إليك بلفظٍ جارح، أو محرج، وتستطيع أن تحتفظ بعزة نفسك أمام كل الناس، على اختلاف مراتبهم، حينما تسد الثغرات التي ينفذ إليها منها اللوم والتقريع، إن ألد أعدائك حينئذٍ بتهيبك، طالبون بالدليل، قال تعالى:
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾
( سورة يونس: 26 )
الذين أحسنوا في أعمالهم، في حرفهم، في علاقاتهم، في ذممهم.
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾
والمطلق على إطلاقه، وإذا حذف المفعول به أطلق الفعل هذه قاعدة في اللغة.
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾
ما هذه الزيادة بعضهم قال: الجنة، الحسنة في الدنيا، والجنة في الآخرة، وبعضهم قال الحسنة في الدنيا، والذكر الطيب.
﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾
له من الله من عاص، إذاً العزة أساسها الاستقامة، العزة أساسها الصدق، الأمانة، العزة أساسها الاستقامة على منهج الله عز وجل دون لف أو دوران، وقد قال عليه الصلاة والسلام:((إياك وما يعتذر منه ))
صل صلاة مودع كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك ، و ايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا ، و إياك وما يعتذر منه
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:
الألباني - المصدر:
صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3776
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وهذا الحديث يكفي، أي عمل تضطر أن تقول لا تأخذوني ابتعد عنه تبقى عزيزاً.
أيها الإخوة الكرام: أما التواضع، التواضع ؛ هو تواضع العزيز، لا تواضع الذليل تواضع القوي لا تواضع الضعيف، تواضع المنتصر لا تواضع المهزوم تواضع الشريف لا تواضع الخسيس، تواضع المؤمن بأن الأمر كله بيد الله لا تواضع المشرك، الذي استحوذ الخوف على قلبه، تواضع المؤدي لواجبه لا تواضع المقصر فيه، تواضع المتقن لعمله لا تواضع المهمل له تواضع المحسن لا تواضع المسيء، يدعم هذا التوجه في معنى التواضع أن التواضع لغةً مصدر قياسي، لفعل تواضع، الذي على وزن تفاعل حيث يفيد هذا الوزن إظهار ما ليس في الواقع، فالمتواضع ليس وضيعاً كما أن المتمارض ليس مريضاً، والمتكبر ليس كبيراً، والمتعاظم ليس عظيماً، التواضع في حقيقته رؤية صحيحة لعظمة خالق الأكوان، وشعور واقعي بضعف الإنسان، وسلوك أصيل أساسه الانضباط والإحسان التواضع مظهر لعبودية الإنسان تجاه خالقه، ونتيجة لرؤية افتقاره لفضله التواضع ليس سلوكاً ذكياً أساسه مصلحة راجحة، ولا ضعفاً نفسياً أساسه توهم باطل، أو رؤية ضبابية، أو تقصير أو إهمال أو إساءة، إنه فضيلة الفضائل، وهو بين دناءة الذل، وغطرسة الكبر،
أيها الإخوة الكرام: حديث جامع مانع للنبي عليه الصلاة والسلام قال عليه الصلاة والسلام:((الكبر بطرُ الحق وغمص الناس بطرُ الحق ))
أي رد الحق، وغمص الناس ؛ عدم إنصافهم، فكل إنسان يأبى حكماً شرعياً، يأبى نصاً قرآنياً، لا يعبأ بحكم قرآني، أو حكم من السنة النبوية، لا يبالي بهما، لا يتقيد، هذا متكبر، وكل إنسان يبني مجمد على أنقاض الآخرين متكبر، عدم إنصاف الناس من الكبر، ورد الحق من الكبر، قال عليه الصلاة والسلام:((الكبر بطرُ الحق وغمص الناس ))
يعني احتقارهم وازدرائهم، وبطر الحق رده وجحده لذلك:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
( سورة الأحزاب: 36 )
هذا حكم شرعي وانتهى الأمر،