هل الدعاء يدفع القضاء ؟

[المفوض امره لله]

من كتاب
صفحات من نور فى الدعاء المثور
لفضيلة الدكتور
محمد بكر اسماعيل

قد نقول ما فائدة الدعاء اذا كان القدر قد سبق بما كان وما يكون وما هو كائن ولاراد لقضاء الله ؟
أول ( الكاتب ) قد أجاب العلماء عن هذا السؤال فقالوا ان الدعاء من القدر فلا يقال : انه يرد القدر بل هو السبب الذى جرى به القدر فاذا أراد الله اجراء ما قدره على عبده وفقه لاتخاذأسبابه فالرزق مقدر فى الأزل لكنه قد يكون محبوسا لايطلقه الا الدعاء فيوفق الله العبد للدعاء فيدعو فيستجيب له الله ويرسل اليه الرزق حيث كان ويسمى هذا بالقدر المعلق .
ولنعتبر بما قاله عمر _ رضى الله عنه _ عندما سمع أن الطاعون حل بأرض الشام فأمر الناس بالرجوع الى المدينة فقال له أبو عبيده بن الجراح : أتفر من قدر الله ياأمير المؤمنين ؟ فقال له عمر أفر من قدر الله الى قدر الله ,
واذا اتكلنا على القدر فاننا نعطل جميع الأوامر الشرعية فنقول مثلا مايقوله أقبح القباح والجهال : اذا كان الله قد قدر على ماقدر فلماذا أصلى وأصوم وأحج وأذكى وأتصدق وأفعل الخير واذا كان الله قد قدر علينا النصر أو الهزيمة فلماذا نجاهد لندع القدر يأخذ مجراه .
لقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعوالله عز وجل وهو يبكى حتى يسقط ثوبه من فوق كتفيه وهو لايدرى فيراه الرائى فيقول فى نفسه : كأنه لايعد العدة للقتال ولايحسب له حسابه رغم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أهبته للقتال فى سبيل الله ويعد له العدة ويأخذ الحيطة والحذر من غدر العدو وكيده حتى اذا رآه الرائى قال كأنه لايعتمد على الله فى شىء ان الدعاء سبب من أسباب الاجابة ووسيلة من وسائلها .

قال الامام الغزالى
فى كتاب احياء علوم الدين

واعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء ,فالدعاءسبب لرد البلاء واستجلاب رحمة الله عز وجل وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله أن لانحمل السلاح فقد
قال تعالى ""يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ""النساء (71)
وأن لانسقى الأرض بعد وضع البذر فيقال ان سبق القضاء بالنبات نبت البذر وان لم يسبق لم ينبت , بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذى هو كلمح البصر أو هو أقرب والذى قدر الخير قدره بسبب والذى قدر الشر قدرلدفعه سببا فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته .
وخلاصة القول ان الناس انقسموا فى هذا الامر الى ثلاثة اقسام الأول اعتمد على القدر واعتبر الدعاء لاينفع فتركه ولم يلتفت اليه والثانى اعتمد على الدعاء وعطل سائر الأسباب وجلس يتعبد ويدعو فى محرابه وهويزعم أن الرزق سيأتيه من غير سعى ولا جهد وهؤلاء الاثنين ليسوا من الاسلام فى شىء وليس عندهم مثقال ذرة من فقه والقسم الأخير هم الذين عرفوا الحق فلزموه ووقفوا عند حدود الله بأدب فدعوه كما أمرهم وقاموا بسائر التكاليف الشرعية التى رسمها لهم الله سبحانه وتعالى فجمعوا بين الحسنيين وكانوا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها اولئك الذين هداهم الله واولئك هم أولو الالباب
رب لا أسألك رد القضاء ولكنى أسألك اللطف فيه