بسم الله الرحمن الرحيم
المُخَدرات نوع من السموم يؤدى تعاطيها إلى حالة تخدير كلى أو جزئي مع فقد الوعي أو دونه وهى تعطى شعورا كاذبا بالنشوة والسعادة مع الهروب من عالم الواقع إلى عالم الخيال وقد تكون صلبة أو سائلة أو مسحوقا ناعما أو بلورات أو في شكل أقراص أو كبسولات وفقا لطبيعة ونوع المخدر
وهى أنواع كثيرة منها الأَفيون والمُورفين والكُوكَايين و الدايونين والهِيروين والحَشيش وغيرها وقد حرمتها الشريعة بكافة أنواعها ومشتقاتها ومركباتها المختلفة بالنص النبوي الصريح الذي يقول {كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ}[1]
والحديث الآخر الذي يقول {مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ}[2]
فكل ما يخمر العقل ويغطيه يسمى خمراً شرعا ولا عبرة بخصوص المادة التي يتخذ منها ولو كانت خبزا أو ماء كما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت {لا أُحِلُّ مُسْكِرًا وإن كان خبزا أو ماء}[3]
والذي دفع الشريعة المطهرة إلى تحريم هذه المخدرات هي الآثار الضارة التي تحدثها للفرد وللمجتمع والتي يذكر بعضها الدكتور محمد سعيد السيوطي في كتابه {معجزات في الطب للنبي العربي محمد} صـ 135 فيقول :
{ويفعل الحشيش ما يفعله المسكر من أضرار بصحة متناوله وبعقله فترى الحشاش مضطرب الفكر متناقض الخيال كثير الأوهام والأحلام صامتا أو كثير الكلام حتى درجة الهذيان وأول ما يصاب به الحشاش تنبه في المعدة وانقباض في الصدر وضغط وثقل في الرأس وتخدر الأطراف واضطراب في السمع ويبوسة في الفم والبلعوم وتنبه في ملكات الدماغ ثم تشوش في الدماغ
ومع الإدمان ينقلب الحشاش إلى شخص عبوس الوجه متبلد الذهن بطيء الحركة ضعيف البنية بطيء الهضم منمل القوى ضعيف النفس والقلب فاقد النخوة والشهامة والمروءة وقد تنتابه حالات من الهذيان حتى الجنون الذي قد يدفع به إلى الانتحار}
هذه المضار التي تحدثها المخدرات جعلت بعض الفقهاء كابن تميمة يرى أنها شرا من المسكر ولذا فأنه يرى أن قصاص الحشاش يجب أن يكون أشد من {الحدّ} الزى هو قصاص شارب الخمر
إن حكمة تحريم المخدرات على تعدد أنواعها هي لأسباب صحية واقتصادية وخلقية واجتماعية عامة لا يسعنا ذكرها الآن ويكفى أن تعلم أن الشيخ قطب الدين العسقلاني قال في شأن إحداها :
{في الشيشة مائة وعشرون مضرة دنيوية وأخروية وإنها تورث أكثر من ثلاثمائة داء في البدن كل داء لا يوجد له دواء في هذا الزمان)[4]
وقد أشار الطب الحديث إلى بعض هذه الأمراض التي تصيب المدمن فقال {ويسبب الكُوكَائين والإدمان عليه تسمم شبيه بالتسمم الناجم عن السكر يصاحبه أوهام وهذيان ونشاط شديد بسبب تنبه الجملة العضلية والعصبية
ويلاحظ عند متعاطي الكُوكَائين خفقان في القلب وكثرة التبول وضعف الشهوة واضطراب في النظر والسمع وضعف في العقل وتقبيض للعروق وضعف في الحس اللمسى ونقص في الذاكرة وضعف الإرادة وإن الإدمان على الكُوكَائين عند الأب أو الأم يعرض أولادهما إلى التراث الكُوكَائينى ومنه: مرض السل والاندفاع نحو الإجرام}[5]
ولذا فقد حرمها الشارع المعظم حفظا للحياة الصحية والاجتماعية والبشرية العامة ووقاية لتسرب المفاسد إليها ولعل إدراك الأمم الغربية والشرقية لمضار المسكرات والمخدرات في العصر الحديث والذي تمثل في عقد المؤتمرات الصحية الأممية العامة في مختلف العواصم الأوربية
والقرارات التي تمنع الاتجار بالمسكرات والمخدرات أو تداولها أو حملها أو تهريبها أو زراعتها أو تشجيع الاشتغال بها وقيام جمعيات محلية كثيرة في كل بلد لمحاربتها كل ذلك مما يؤيد التشريع الإسلامي ويشهد بحكمته البالغة وبنفعه العام
ونهي الإسلام أيضاً عن المفتّر وهو الذي إذا شرب حمى الجسد وصار فيه فتور أي ضعف وانكسار وخدر في الأطراف وهو مقدمة السّكر وهو أنواع كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : القَت والدَاتُورة وجُوزة الطيب والبَانجُو والُدخان
وقد جاء ذكر المفتّرات في الحديث الشريف الذي يرويه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن عن السيدة أم سلمه رضي الله عنها حيث قالت
{نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ}[6]
والمفتّرات بكافة أنواعها لها أضرار صحية واجتماعية واقتصادية فالتعوّد على مضغ القَات يؤدى إلى ظواهر اجتماعية واقتصادية معوقة للفرد والمجتمع لفقدان ساعات العمل وضياع الدخول وسوء التغذية وتفشى الأمراض
والدَاتورة من النباتات السامة والمفتّرة وقد تؤدى إلى قتل متعاطيها إذ أن الدَاتورة تنتمي إلى العائلة الباذنجية المشهورة بنباتاتها السامة وتبدأ أعراض التسمم في الإنسان عند دقائق من تعاطي بذورها والأعراض تتمثل في جفاف الحلق وزيادة العطش الذي لا يزول بشرب الماء ويتبع ذلك إغماء وعدم وعى وتتسع حدقتا العين كما يحدث التشنج وينتهي في كثير من الحالات بالوفاة
أما جًوزة الطيب فإذا أخذت بكميات كبيرة أحدثت تقلصات عنيفة وقد تشمل الجهاز التنفسي وقد تسبب الاختناق والموت
والبَانجو قد يؤدى إلى التخدير أو إلى الإسكار ويورّث الخبال ويذهب بالمال {وإن كان يجوز عند الضرورة كإجراء عملية جراحية أو رفع ألم حاد أن يعطى الطبيب المريض شيئا من البنج [المصنع من البانجو] ونحوه بطريق الفم أو بطريق الشم أو بالحقن لأنها ضرورة {والضرورات تبيح المحظورات} كما يدل عليه عموم قوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} البقرة173 [7]
ولأن هذه المفتّرات لا تبلغ حدّ السكر وإن كان يحدث لمتعاطيها مقدّماته فقد ذهب العلماء إلى تحريمها لقول الله {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} الأعراف157
ومنهم من كرّهها وحمل النهى في الحديث السابق {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِر}[8] على الكراهة
ونحن وإن كنا نقول بكراهتها حيث أنها لا تصل بمتعاطيها إلى حد السكر إلا أن أضرارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية المشار إليها آنفا تجعل كل مسلم بل كل إنسان عاقل يرفض تعاطيها حفاظا على قواه الصحية والنفسية والعقلية واحتفاظا بمكانته الاجتماعية وصونا لمقتنياه الاقتصادية
[1] رواه البخاري [2] رواه أبو داود عن جابر رضي الله عنه [3] المحلى لابن حزم جـ8 والمغنى لابن قدامه جـ9 صـ159 [4] نقلاّ عن كتاب الوسيط في شرح قانون المخدرات الجديد للمستشار/حسن عكوش صـ229 [5] معجزات في الطب للنبي العربي محمد، د/ سعيد السيوطي صـ136 [6] سنن أبي داود ورواه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في الجامع الكبير [7] الفقه الواضح د/محمد بكر إسماعيل صـ296 [8] سنن أبي داود ورواه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في الجامع الكبير
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...2&id=128&cat=2
منقول من كتاب [مائدة المسلم بين الدين والعلم]
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً