تاريخ بناء السور،والغرض من بنائه
كانت بلدان الصين وما جاورها في قديم الزمن ممالك متحاربة،لكل مملكة حدودها التي لو غفل عنها حكامها عدا عليها حكام الممالك المجاورة لها،أو القبائل المتوحشة التي تعيش على السلب والنهب،ولهذا كانت كل مملكة تلجأ إلى بناء الأسوار الفاصلة بينها وبين الممالك المجاورة لها،كما تُشَيِّد على تلك الأسوار أبراج مراقبة وحراسة لحمايتها و إنذارها بهجوم أعدائها، ويقال:إن هذا المشروع،وجد في القرن السابع قبل الميلاد .
(. بكين حاضرة الصين العريقة والحديثة ث : 138)
وعندما وحَّد تلك الممالكَ لإمبراطورُ الأولُ من أسرة (تشين) في سنة 221 قبل الميلاد،رُبِطت تلك الأسوارُ والقلاع ومُدَّتْ حتى بلغ طولها ألفي كيلو متر (2000) استخدم في ربطها وتمديدها قرابة مليون شخص هلك منهم أعداد كثيرة.
وفي عهد أسرة (هان)-التي امتد حكمها من 206 قبل الميلاد إلى 220م- ( موسوعة المورد 5/97 ) أضافت إلى السور خمسمائة كيلو متر (500) من جهة الغرب حتى وصل إلى مقاطعة قانصو،وكان مبنيا من الحجارة والطين.
ثم اندفع المغول الذين كانوا من أهم الأعداء الذين وضع السور لصدهم عن الهجوم على الصين،فتخطوا السور وقلاعه،واحتلوا الصين وحكمتها أسرة (يوان) من سنة:1280 إلى سنة 1368م حيث سقطت هذه الأسرة واستولت على الحكم أسرة (مينغ) التي شيدت بناء السور في مناطق أخرى في جهة الشمال-لتوسع حدود الصين شمالا حتى تجاوزت بعض مناطق السور القديم-حتى بلغ طوله في عهدهم
6350) كيلو متر،ويبلغ متوسط ارتفاعه 8ر7أمتار،وعرضه عند القاعدة 5ر6أمتار،وعند القمة:5ر5 أمتار.
وهذا هو السور الموجود الذي يؤمه السائحون اليوم.
هل لهذا السور من صلة بسد يأجوج ومأجوج؟
الجواب على هذا السؤال-قطعا-أن سور الصين العظيم ليس هو سد يأجوج
ومأجوج ، لستة أسباب جوهرية:
السبب الأول: اختلاف تاريخيْ بناء كل من السور والسد.
فبناء السور العظيم بدأ في القرن السابع قبل الميلاد،ومر بمراحل وتهد مات،وكان بداية بناء السور الحالي في القرن الرابع عشر.
أما بناء سد ذي القرنين فكان بناؤه ما بين 539 ق.م و529 ق.م. ،ولم يعلم أنه جدد بعد ذلك.
السبب الثاني: أن باني السد معروف، وهو ذو القرنين (الذي يذكر المؤرخون أن اسمه:كورش) الذي ذكر الله قصته في القرآن الكريم.
أما بناة سور الصين العظيم،فهم أباطرة الصين الذين تتابعوا على الحكم،وقد ذكرت كتب التاريخ الأسر الحاكمة التي بدأ بناء السور في عهدها والأسر الحاكمة التي انتهى بناء السور في عهدها كذلك.
السبب الرابع: أن سد يأجوج ومأجوج لم يَقُم ببنائه أهلُ البلد الذين تضرروا من هجوم عدوهم (يأجوج ومأجوج) عليهم،بل كانوا عاجزين عن القيام بذلك،ولهذا استعانوا بذي القرنين في بنائه.
أما سور الصين العظيم،فقد بناه أباطرة الصين أنفسهم،لحماية ممالكهم من غارات أعدائهم عليهم،كما هو واضح من تاريخ بنائه الذي أوردتْه كتب التاريخ.
السبب الخامس: اختلاف مواد بناء كل من السد والسور،فمواد السد،كانت-كما ذكر الله-من قطع الحديد والنحاس ،وما شاء الله من المواد المساعدة للإذابة والقوة-كالفحم ونحوه-.
أما مواد سور الصين العظيم،فقد كانت أولا من الحجارة واللبن،ثم أصبحت-كما هي حاله الآن-من الحجارة والآجر المتساوية الأحجام.
السبب السادس: أن سد يأجوج ومأجوج رَدْمٌ-حائط-بُنِيَ بين سدين-جبلين-فقط،وكان بناؤه في ذلك المكان كافيا لصد عدوان يأجوج ومأجوج وإفسادهم في أرض المظلومين المعتدى عليهم،وذلك يدل على أنه الممر الوحيد الذي كان المعتدون ينفذون منه في غاراتهم العدوانية.
أما سور الصين العظيم فإنه قد شُيِّد بين الجبال وعلى قممها،وهي جبال كثيرة تمتد من شرق الصين إلى غربها،وطول هذا السور يبلغ الآلاف من الأميال،وهذا يدل على أن المنافذ التي كان يخشى مشيدو السور أن يعبر منها أعداؤهم كثيرة جدا،وليست منفذا واحدا فقط-كما هو شأن السد-.
السبب السابع: أن سد يأجوج ومأجوج لم يكن باستطاعة المُغِيرين صعوده،ولا القدرة على فتح أي نَقْب-منفذ أو فتحة-للعبور منه،وأنه لم يكن في حاجة إلى أبراج أو حُرَّاس للدفاع عنه.
أما سور الصين العظيم فإنه كان قابلا لإحداث فَتَحات ومنافذ يعبر منها العدو فكان في حاجة إلى حِراسة مستمرة،وحُرَّاس لا يغفلون عنه ساعة من نهار،ولذلك لا تكاد تجد قِمَّةً من قمم الجبال التي شيد عليها السور بدون برج أُعِد لحراسته من إحداث منافذ يَغير منها العدو. وبهذا يُعْلَم-يقينا-لا شك فيه أن سور الصين العظيم لا صلة له بسد يأجوج ومأجوج،إلا إذا قُدِّر أنه اتصل بِجَبَلَيْه-أي السد-في موقع من مواقعه-أي مواقع السور-الكثيرة
إن وصف السد-وهو كونه بين جبلين،وكونه من الحديد والنحاس،وكونه بذاته كافيا لصد غارة المعتدين عند بنائه-قد يبدو منطبقا على السد الموجود بين جبلين من سلسلة الجبال الممتدة من قرب مدينة {دربند] على ضفة بحر قز وين الغربية، إلى مرفأ {سوخوم] على ضفة البحر الأسود الشرقية وهذه الجبال تُكَوِّن سلسلة متصلة بين البحرين المذكورين،تمتد من جنوب جمهورية (جو رجيا) إلى شمالها،لا يفصل بينهما فاصل إلا فتحة واحدة عميقة،سُدَّت بقطع من الحديد والنحاس،وهذه الفتحة،هي التي رجح بعض المؤرخين والكتاب أن ذا القرنين(كورش الأخميني) هو الذي بناها،وتسمى بـ{مضيق داريال]،وأن هذه الفتحة هي التي كانت تغير منها القبائل المتوحشة (يأجوج ومأجوج) من الشرق على القبائل المظلومة في الغرب.
ولا أرى مانعا من هذا الترجيح إذا تعينت هذه الأوصاف لهذا السد وحده في الأرض،كما لا أرى القطع بأنه هو،قبل البحث الميداني في هذا العصر بالذات ،لكثرة الوسائل المتاحة،التي يمكن الاستعانة بها لاكتشافه.
مشروع للاطلاع على السد المذكور، وتطبيق الأوصاف عليه.
ولو أن بعض الحكومات في الشعوب الإسلامية اهتمت بهذا السد،وخصصت له فريق عمل من ذوي التخصصات المناسبة له،من علماء الشريعة،وعلماء الجيولوجيا،وعلماء التاريخ،وعلماء الجغرافيا،وزودتهم بما يحتاجون إليه من مواصلات، ومن أهمها الطائرة المروحية وغيرها مما يتحقق به الهدف،وأضافت إلى ذلك التنسيق مع الدول التي يظن احتمال السد في أراضيها،لمنح الفريق حرية العمل والتنقل والتصوير،أقول:لو اهتمت بعض حكومات المسلمين بذلك لأمكن تعيين مكان السد-الذي لا بد أن يكون موجودا-وليبدأ بالسد المذكور (سد داريال)،ولكن لا يُكْتَفَى به لاحتمال أن يوجد غيره.
ولا شك في أن الاهتمام به أولى من الاهتمام بالتنقيب عن آثار الفراعنة والآثار الجاهلية في البلدان العربية وغيرها ،لأن في تحديد مكانه ومعرفته زيادة بيان لما ورد به القرآن الكريم والسنة النبوية،ولأنه من أمارات الساعة التي ينبغي الاهتمام بها،وللاعتبار بعاقبة الظلمة المفسدين في الأرض الذين يُحْوِجون الناس إلى إقامة مثل هذا السد لاتقاء شرهم،كما أن فيه عبرة لمن مكنهم الله في الأرض وهيأ لهم أسباب الملك والقوة،ليستعملوا ذلك في طاعة الله،وفي مصالح خلق الله ونصر المظلومين والمستضعفين على الظالمين والمتجبرين !
هل يمكن اكتشاف سد يأجوج ومأجوج؟
نعم،يمكن اكتشافه عقلا،وعادة،وشرعا.
أما عقلا: فلا مانع مطلقا من السير في أرض الله والوصول إلى كل بقعة فيها بالوسائل المتاحة.
وأما عادة: فقد اعتاد الناس الأسفار والانتقال من مكان إلى آخر في الأرض،بَعُدَ أو قربَ،وفي تلك الأسفار تمت اكتشافات كثيرة لما كان مجهولا من الأرض،ومنها قارات
كبرى،كأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، واستراليا،كما اكتشفت أماكن دقيقة وصغيرة في البحار والأنهار والجبال والشعاب.
واستخدم الناس لتلك الاكتشافات كل الوسائل المتاحة لهم،من المشي على الأقدام،إلى الركوب على الدواب بأنواعها،واستخدام آلات النقل البرية،من العربات التي تجرها الدواب،كالخيول،إلى الدراجة العادية،فالنارية،فالسيارة،فالمراكب القادرة على السير في المسالك الوعرة-جبلية أو مستنقعات وأوحال أو غيرها-كالدبابات والمصفحات..
كما استخدموا وسائل النقل البحرية والنهرية الصغيرة والكبيرة السريعة والبطيئة.
وجاء دور الوسائل الجوية من المناطيد إلى الحوامات الصغيرة والكبيرة إلى الطائرات العملاقة،عسكرية ومدنية.
ثم المراكب الفضائية،وما زُوِّدت بها تلك المراكب كلها من آلات تصوير مدهشة،تصور أدق التفاصيل في أصغر الكائنات الممكن تصويرها.
هذه الوسائل وغيرها جرت العادة باستخدامها لاكتشاف غالب ما يظهر في المعمورة،ومعنى هذا أن اكتشاف سد يأجوج ومأجوج ممكن عادة،ولا يوجد مانع عادي يمنع من اكتشافه.
وأما شرعا: فلا يوجد نص شرعي-لا من القرآن ولا من السنة-يدل على كونه من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها الناس،بل يستفاد من نصوص الشرع عكس ذلك،وهو معرفة الناس للسد ومعرفتهم ليأجوج ومأجوج، ومن الأدلة على ذلك ما يأتي:
الدليل الأول:
أن قبيلتي يأجوج ومأجوج كانتا معروفتين للقبائل التي شكت من اعتدائهما عليها إلى ذي القرنين، {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض...}
،الكهف:94
الدليل الثاني:
أن ذا القرنين بلغ المكان الذي كان يأجوج ومأجوج يعيثون فيه فسادا،وهو الذي بنى السد بإعانة أهل البلد المتضررين:{فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما} الكهف:95
الدليل الثالث:
أن خروج يأجوج ومأجوج من أمارات الساعة وعلاماتها،وأمارات الساعة تظهر للناس،وخروجهم يكون من ذلك السد فلا بد أن يرى الناس خروجهم والمكان الذي يخرجون منه،وأخبر الله تعالى إن يأجوج ومأجوج ستُفتَح-أي يُفتَحُ السد الذي كان يحول بينهم وبين الخروج-كما قال تعالى:{حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق..} الأنبياء:96، 97 وفتحه من أمارات الساعة،وأمارات الساعة ليست كالساعة التي لا يعلمها إلا الله،ولو كانت لا تظهر للناس ولا يطلعون عليها لما صح أن تكون أمارات.
الدليل الرابع:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا قبل موته أن رَدْمَ يأجوج ومأجوج-الذي قال الله تعالى فيه،بعد أن بناه ذو القرنين:{فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} الكهف:97-قد نُقِب وفُتِحَ شيء يسير منه،وهذا الفتح اليسير هو بداية ما أخبر الله به في سورة الأنبياء أنه سيحدث،
ففي حديث زينب بنت جَحش،رضي الله عنها،
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول : ( لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر ما اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا ) . وحلق بإصبعه وبالتي تليها ، فقالت زينب : فقلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم ، إذا كثر الخبث ) .
الراوي: زينب بنت جحش المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3598
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
. وهو دليل على أن يأجوج ومأجوج قد استطاعوا أن يحدثوا في السد من النَّقْبِ ما يتمكنون به من الخروج منه.
من هم يأجوج ومأجوج؟ (4)
إن يأجوج ومأجوج قبيلتان من بني آدم،وهم من ذرية يافث بن نوح عليه السلام،كانوا متوحشتين احترفوا الإغارة والسلب والنهب والقتل والظلم من قديم الزمان،وكانوا يقطنون الجزء الشمالي من قارة آسيا،شمالا وغالب كتب التاريخ تشير إلى أنهم منغوليون تتريون،وأن موطنهم يمتد من التبت والصين جنوبا إلى المحيط المتجمد الشمالي،وأنهم عاصروا قورش الذي بنى سد دانيال.
كما ذُكِرَ أنهم مروا في إفسادهم في الأرض بسبعة أدوار،كانت بدايتها قبل (5000آلاف سنة) وآخرها:هجوم جنكزخان على الحضارة الإسلامية،فهم أسلافه.
وقد ذكر بعض المؤرخين حكايات غريبة عن يأجوج ومأجوج،والصحيح أنهم كبقية بني آدم في الطول والقصر وغير ذلك.
وقد بنى الصينيون سورهم العظيم لحماية أنفسهم من هجمات القبائل المغولية التي لا زالت تقطن في شمال الصين وشمال غربه إلى الآن،وقد احتلوا الصين فترة من الزمن كما هو معروف.
وهذا يدل على أن يأجوج ومأجوج ليسوا هم الصينيين،ولكن ذلك لا ينافي تكاثر قبيلتي يأجوج ومأجوج واستيلائهما على الصين وغيرها من البلدان المجاورة في آخر الزمان،ويكون خروجهم جميعا وفسادهم الأخير في الأرض عند نزول عيسى عليه السلام، ويكون الصينيون وغيرهم معهم،ويكون إطلاق يأجوج ومأجوج على الجميع من باب التغليب،إما لكثرتهم وغلبتهم على سواهم،وإما لكونهم القادة عندئذ،وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية،هذا مع العلم أن كثيرا من التتر والمنغول-الذين هم أصل يأجوج ومأجوج-أصبحوا من قوميات الصين الآن.
من هم الذين شكوا إلى ذي القرنين من إفساد يأجوج ومأجوج وطلبوا منه بناء السد لحمايتهم منهم؟
أما القبائل التي استنجدت بذي القرنين لحمايتهم من يأجوج ومأجوج،
فقد أشار القرآن الكريم على أنهم في جهة مشرق الشمس،وأنهم ضعفاء متأخرون في الحضارة،إذ لم يكن لهم من البنيان ما يسترهم من وهج الشمس،وأنهم لا يكادون يفقهون ما يقال لهم-ولكن الله هيأ لذي القرنين من الأسباب ما يجعلهم يفقهون عنه ويفقه عنهم-.
ويرى بعض المؤرخين أنهم كانوا يقطنون في شمال أذربيجان وجورجيا وأرمينيا...ويطلق عليهم اليونانيون اسمكولش).
هل خرج يأجوج ومأجوج بعد بناء السد وأفسدوا في الأرض؟
إن الحديث الصحيح الذي سبق ذكره،وهوحديث زينب بنت جَحْش،رضي الله عنها،أن النبي صلى الله عليه وسلم،دخل عليها فَزِعا يقول لا إله إلا الله ! ويل للعرب من شر قد اقترب،فُتِحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه) وحَلَّقَ بإصْبَعِه الإبهام والتي
تليها.قالت زينب:ابنة جحش:فقلت:يا رسول الله ! أنهلِك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كَثُر الخَبَث). يدل دلالة واضحة على أن السد قد فُتِح منه شيء يسير،وأن ذلك الفتح اليسير سيعقبه شر قريب يحصل من يأجوج ومأجوج على العرب،ويغلب على الظن أن شرهم الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم قد وقع بغزو جنكيز خان وقومه،وأنهم من نسل يأجوج ومأجوج.
وهذا الشر الذي حصل من يأجوج ومأجوج على العرب هو غير الشر الذي سيحصل منهم في آخر الزمان عند نزول عيسى عليه السلام.
و الله أعلم
منقول من المهندس يوسف الشطيب
التعديل الأخير تم بواسطة أبو يوسف ; 3rd March 2011 الساعة 12:00 PM