كتب أ.د محمد المهدي
رئيس قسم الطب النفسي كلية طب دمياط - جامعة الأزهر
الولد الوحيد في الأسرة، تسبقه بنتان متفوقتان في دراستهما وعلاقاتهما،
في صغره لم يكن يحب الخروج كثيراً وإن خرج ترافقه الأم أينما ذهب! فهي تحبه بشكل جنوني وهو لا يستطيع الابتعاد عنها ويعتمد عليها في كل شيء.
أما والده فكان كثير السفر، لم يره الابن إلا قليلاً في سنوات عمره الأولى حيث كان يعمل في إحدى بلاد الخليج، وحين عاد من السفر واستقر ببلده كان كثير الانشغال بعمله، لهذا لم يشعر به الابن... بل قد تكون العلاقة مضطربة بينهما، فهو دائم النقد لابنه ويعيره بأنه ابن أمه، وأنه لا يختلف كثيراً عن أخواته البنات، بل هنّ أفضل منه في كل شيء!.
تعلق الابن بأحد المدرسين الذين كانوا يحضرون إلى البيت لتقويته دراسياً، وكان يبكي إن تغيّب هذا المدرس يوماً عن الدرس أو سافر لأي سبب من الأسباب، وكانت الأم تضطر لاستدعاء المدرس كلما واجهتها مشكلة في التعامل مع الابن الذي كثرت مشاكله في الفترة الأخيرة؛ فهو مذ وصل للمرحلة الثانوية أصبح شديد التمرد كثير الطلبات لا يشبع من طلب الأموال، ويريد أن يسهر كثيراً خارج البيت –على غير عادته– ويجلس ساعات طويلة على الانترنت، واكتشفت أمه أنه يدخل مواقع جنسية للشواذ وحين واجهته ثار وفار وحطم أشياء كثيرة في المنزل ومن يومها تخشى الأم مواجهته، حين طلبت من الأب أن يجلس معه ويكلمه رد عليها الأب باستخفاف وشماتة:
- هي دي تربيتك، مش ده "دودي حبيب مامته"!
- ما انت كنت دايماً بعيد عنه، وكان نافر منك علشان بتعامله وحش.
- كان نفسي يطلع راجل علشان كده كنت باشد عليه، لكن للأسف دلعك له خلاه بالشكل ده.
- الواد كبر وبقى محتاجك، وأنا ما عنتش قادرة عليه.
- اتصرفي معاه، مش كنت دايماً تمنعيني أربيه وتقولي مالكش دعوه بيه.
واكتشفت الأم أن ثمة علاقات مريبة تربط ابنها برفاق أكبر منه سناً، وأنه لا يستطيع الابتعاد عن أحدهم ويريد أن يبقى معه طوال الوقت، ويضع صوره في حافظة نقوده! وفي إحدى المرات عرفت بطريق الصدفة ما لم تكن تتخيله عن سلوك ابنها الذي كانت تراهن عليه أن يكون سند لها وللأسرة، فقد رأته هو وصديقه في وضع مشين داخل غرفته."
ذلك نموذج لحالة جنسية مثلية، أو ما يعرف بالشذوذ الجنسي والذي يبدو أن نسبته آخذة في الازدياد في السنوات الأخيرة لأسباب عديدة نذكرها لاحقاً.
كيف تنمو الهوية الجنسية
في الطفولة المبكرة تكون العلاقة الأساسية للولد والبنت بالأم؛ فهي الحبيب الأول، وفي حين تستمر علاقة البنت وتوحدها بالأم على نفس الطريق نجد أن الولد يحتاج لعمل "تحويله" حيث يبتعد عن الأم ويقترب من الأب ليتوحد به ويستدمج صفاته الذكورية، وربما لهذا السبب نجد زيادة في حالات الجنسية المثلية (الشذوذ) في الذكور مقارنة بالإناث (2,8% : 1,4%). إذا فالهوية الأنثوية هي الأصل، أما الهوية الذكورية فتحتاج لتنشئة معينة كي تبرز وتتأكد، وتحتاج لوجود رجل كي يتم التوحد معه في مرحلة معينة من العمر، لذلك قالوا "الرجل يربيه رجل".
وقد كان فرويد يقول أن اكتساب الهوية الجنسية يتم في المرحلة القضيبية من النمو الجنسي (من سن 3 إلى 5 سنوات) حين يدرك الطفل الذكر أن أبيه ينافسه في حب أمه (فيما يسمى بعقدة أوديب)، وبما أنه غير قادر على منافسة أبيه بل يتوقع أن يقوم الأب بخصائه عقاباً له لذلك فهو يتقمص صفات الأب ويتوحد معه (التوحد مع المعتدي) ويظل بداخله حنين عميق نحو المرأة يظهر في مراحل النضج التالية متوجهاً نحو الجنس الآخر لينشأ عنه الحب والزواج. أما البنت فتشعر بالحب نحو أبيها ولكنها تكتشف أن أمها تنافسها في ذلك الحب (فيما يسمى بعقدة إلكترا) فتتوحد مع الأم خوفاً منها وتكتسب صفاتها ويظل بداخلها حنين عميق نحو الرجل يتجلى بعد ذلك في حب ناضج للجنس الآخر يدفع نحو الزواج.
وحديثاً وجد باحثون آخرون أن الطفل الذكر لا يتوحد مع أبيه فقط بدافع الخوف منه (كما ذكر فرويد)، وإنما قد يتوحد مع الأب بدافع الحب له خاصة إذا وجد في الأب الشخص المسؤول القوي الراعي والمحتوي والمؤثر، ودافئ المشاعر.
أما جوزيف نيكولسي فيذكر في كتابه الرائع (Reparative Therapy of Male Homosexuality , Rowman and Littlefield edition 2004) آراءً جديدة مبنية على دراسات لكثير من علماء النفس مفادها أن كل تغير نفسي يحدث للطفل له مرحلة تطورية معينة يكون الجهاز النفسي والعصبي للطفل في حالة جاهزية لاستقبال هذا التغير والنمو؛ فمثلاً اكتساب اللغة يكون في أحسن حالاته في السنوات الثلاث الأولى من العمر، وإذا تأخر تعليم الطفل مفردات اللغة في هذه المرحلة يصبح تعليمه أصعب بعد ذلك.
وفي نطاق الهوية الجنسية تبين من خلال الدراسات التي قام بها كل من (Greenacre 1957 ; Kohlberg 1966 ; La torre 1979 ; Moberly 1983 ; Money and Ehrhardt 1972 ; Socardes 1986; Stoller 1968).
أن المرحلة الحرجة التي تتشكل فيها الهوية الجنسية هي ما قبل الثالثة من العمر، وذكر هؤلاء العلماء أن أكثر المراحل حيوية وجاهزية في استقبال الهوية الجنسية هي النصف الثاني من السنة الثانية من العمر.
وقد وجد أن الطفل يكون لديه بعض الإحساس بالأب ربما منذ الشهر الرابع من عمره، وحين يبلغ ثمانية عشر شهراً يستطيع أن يفرق صور الأولاد عن صور الفتيات، ويفرق صور الرجال عن صور النساء (طبقاً لدراسات La torre 1979). ومنذ هذا السن يبدأ الطفل يتحرك بعيداً عن الأم ويقترب من الأب (في الحالات السوية) وبداخله شعور بأنه مختلف عن أمه ومتشابه مع أبيه. أما البنت فتظل ترغب في قربها من أمها وتشعر بالتشابه معها.
وإذا كان ثمة علاقة بين البيولوجي وبين الهوية الجنسية فهي في جاهزية التركيبات النفسية والعصبية لاستقبال معالم الذكورة أو الأنوثة في مرحلة بعينها من العمر، أما موضوع تأثير الجينات والهرمونات فلم تثبت صحتها وإنما تبين أن من قاموا بالبحث فيها كانوا مثليين أو متحيزين لهم، لذلك كانت نتائجهم مشكوك فيها ولم تتأكد بإعادة البحث،
إنما كان الهدف منها الإيحاء بأن الهوية الجنسية تستند إلى حتمية بيولوجية وأن الإنسان ليس له فيها خيار، وبذلك تعفي المثلي (أو المثلية) من أي مسؤولية تجاه ميوله (أو ميولها) وتستبعد الجانب التربوي والبيئي من المسألة.
وفي تلك المرحلة الحيوية والهامة من النمو النفسي والاجتماعي حين يقترب الطفل من أبيه فإنه يحتاج أن يشعر منه بالحب والقبول حتى يتمكن من استدماج صفاته، وأن يقوم بعملية نقل تدريجي لكل برامج الرجولة من ذات الأب إلى ذاته. وفي الوقت الذي يحاول الطفل أن يتوحد بأبيه ويستدمج صفاته يتوجب على الأب أن يبارك ذلك ويشجعه ويثني على صفات الذكورة المبكرة في ولده. إذن فالطفل الذكر يحتاج لأن يقطع المسافة بين عالم الأنوثة ممثلاً في الأم إلى عالم الذكورة ممثلاً في الأب، وليتم هذا الانتقال بنجاح يحتاج دفعاً وتشجيعاً وقبولاً من الأب، ويحتاج أيضاً دفعاً وتشجيعاً من الأم، وكلاهما (الأب والأم) في حالة كونهما سويّين يقومان بذلك وتكون النتيجة أن يكتسب ابنهما صفات وخصائص عالم الرجال ويصبح فخوراً بها.
وقد يكون في أحوال أخرى رغبة لدى الأم في أن تستبقي ولدها في أحضانها وقريباً منها فتغريه –بوعي أو دون وعي– على البقاء قريباً منها بالدلال وتلبية كل ما يطلب على أمل البقاء معها، وربما تشكل عازلاً بينه وبين أبيه. في المقابل قد تكون صفات الأب غير مشجعة للطفل لأن يبتعد عن عالم الأنوثة ويدخل في عالم الذكورة، كأن يكون الأب جاف المشاعر أو قاسٍ في تعاملاته أو كثير الإهانة والنقد والتوبيخ للطفل أو مبتعداً عنه (جسدياً أو وجدانياً)، أو رافض له أو متصارع معه (وكأنه منافس له على الذكورة في البيت) أو خائف منه (أن يسلبه القيادة في يوم من الأيام) أو يشعر بالغيرة منه (حيث ينافسه على قلب الأم)، أو مشغول عنه.
والأب يعلّم الطفل أن بإمكانه أن يقترب منه ويبتعد بعض الشيء عن أمه، ومع هذا يظل محتفظاً بعلاقة حميمية مع كليهما، ويظل محتفظاً فوق هذا باستقلاله كإنسان له إرادة واختيار حتى في هذه المرحلة المبكرة من العمر. إذا حين تنجح هذه العلاقة الثلاثية (الطفل– الأم- الأب) في التوازن ينشأ الولد سويّاً ويكتسب الهوية الذكرية في سلاسة، ويستبقي في داخله الحنين إلى الأنثى ولكن مع أخرى غير الأم ينتظر التكامل معها في مرحلة ما من مراحل نموه.
وكلما كانت معالم الرجولة في الأب واضحة ومؤكدة كانت درجة التوحد معها قوية، خاصة إذا ما شعر الطفل بالقبول والحب من أبيه، أما إذا كانت معالم الرجولة باهتة لدى الأب فإن الطفل قد لا يجد فروقاً كبيرة بين أبيه وأمه فينشأ في حيرة بين الهوية الأنثوية والهوية الذكورية الباهتة، ويصبح الأمر أكثر صعوبة حين تكون الأم لديها بعض سمات الرجولة كالخشونة والسيطرة. ومن خلال درجات الأنوثة والذكورة في الأم والأب تنشأ درجات متباينة من الهوية الأنثوية أو الذكورية أو المختلطة لدى الطفل.
حالات تفشل فيها رحلة التحول إلى عالم الرجال (جذور السلوك المثلي– الشاذ)
وهناك حالات قد تزيد فيها احتمالات فشل التوحد مع الأب لدى الطفل الذكر، وبالتالي تزداد قابليته للسلوك المثلي، نذكر منها:
1 – عدم وجود الأب البارز: ونعني هنا بالبارز كونه واضح الوجود والمعالم مقارنة بمن حوله في البيت، فهو واضح الرجولة قوي التأثير، دافئ المشاعر، راعٍ لأسرته متواجد وحاضر في المكان والزمان والوعي، ممسك بزمام الأمور وله القيادة والقوامة في البيت، ناجح في عمله وفي علاقاته، له شخصية مستقلة ومعتمد على نفسه ومؤكد لذاته وقادر على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب.
2 – علاقة مشبعة وقوية أكثر من اللازم بالأم: وهذه العلاقة تعززها الأم بأن تمنح الطفل كل ما يحتاج، وبذلك تتوثق علاقته بها يوماً بعد يوم، ولا يجد أي دافع لديه لأن يتوجه نحو الأب أو يرتبط به، إذ يكتفي بأمه عن كل شيء ويصبح "ابن أمه".
3 – الفشل في تحقيق الاستقلال لدى الطفل: والاستقلال يعطي الطفل الإحساس بالقدرة والكفاءة، وهذا الإحساس يسهل الولوج إلى عالم الذكورة والذي يحتاج إلى درجة من الاستقلال والقدرة والكفاءة. أما الطفل الضعيف الخائف المعتمد على أمه والملتصق بها فهو لا يغامر بالحركة نحو الأب ويكتفي ويتشبث بالأم.
4 – غياب الأب أو من يمثله من عالم الذكور.
النموذج السلوكي في أسرة أصحاب الهوية الجنسية المثلية
وفي الأسر التي يخرج منها طفلاً ذو ميول مثلية نجد أن الأم تتشبث بطفلها ولا تسمح له بالحركة نحو أبيه، وقد تشوه صورة الأب لديه دون أن تدري حتى يحتمي الطفل بها من قسوة أو رفض أبيه، وقد يكون الأب فعلاً كذلك فلا يسمح للطفل بأن يقترب منه أو يتفاعل معه. وفي هذه الحالة يأنس الطفل الولد إلى عالم النساء ويشعر بأنهن أكثر لطفاً وقبولاً وحبّاً وحناناً من الرجال، لكن يظل داخله حنين شديد إلى أب عطوف متقبل، وإلى رجل يكتمل به ويعطيه الحب والحنان، لذلك نجد هذا الولد ميّالاً إلى التعلّق بمدرسيه أو مدربيه أو أصدقائه الذين هم أكبر منه سناً، وقد يرتمي في أحضان هؤلاء بالمعنى الحسي أو الوجداني ويتعلق بهم تعلّقاً مرضياً، ويخشى أن يفقدهم لذلك يحاول أن يتملكهم. وقد تظل الميول المثلية عند هذا الحد أو تتطور إلى احتياجات جنسية مثلية خاصة في مرحلة المراهقة، وقد تبدأ في سن مبكر إذا تم تعرض الطفل لاستغلال جنسي من أحد الكبار. ومن هنا نفهم ذلك الحنين الشديد لدى طائفة من المثليين لمن يكبرونهم سناً ولمن تظهر عليهم علامات النضج والأبوة، وهذا ما يطلق عليه "الجوع إلى الأب" وهو في عمق التركيبة النفسية لنسبة كبيرة من المثليين.
وفي حالات أخرى –حين يفشل الولد في التوحد مع الأب وبالتالي يفشل في اللحاق بعالم الرجال– يظل داخله شعور بالضعف والنقص وعدم الجدارة، ويتولد بالتالي لديه شوق شديد إلى صورة الذكورة والرجولة وهو يبحث عن هذه الصورة في أكثر صورها جاذبية وعنفاً، فنراه ينجذب للشاب الوسيم مفتول العضلات مشعر الجسم وكأنه يبحث عن مصدر قوي للرجولة (الشكلية والحسية غالباً) يشحن منه رجولته المفقودة أو الضعيفة، أو يكتمل به أو يحتمي فيه. وهو يريد أن يمتلك هذا الشخص الذي منحه الشعور بالاحتواء والاكتمال والجمال الذكري، لذلك تغلب على علاقات المثليين رغبة شديدة في تملك الشريك مع غيرة هائلة من أي شخص يقترب منه. وعلاقة المثلي بغيره من نفس الجنس تعتبر علاقة تكميلية (يكمل بها نقصه)، أما علاقة الغيري بالجنس الآخر فهي علاقة تكاملية يتكامل بها مع غيره.
وفي الطفلة الأنثى يحدث أنها لا تجد في الأم الصورة التي تستطيع أن تستدمج صفاتها وتتوحد معها فتقترب أكثر من الأب وتكتسب صفات الذكورة، ويصبح لديها حنين إلى من تحتويها كأم بديلة وتمنحها الحب والرعاية والشعور بالاستمتاع والراحة والأمان.
وهذه الملاحظات والدراسات والاستنتاجات تفسر سلوك أصحاب الجنسية المثلية السالبة (المفعول بهم) Passive homosexual، إذن فكيف نفسر المثليين الموجبين (Active Homosexuals) (الفاعلين)؟. يبدو أن الجانب المرضي موجود أكثر لدى السالبين أما الموجبين فقد يلجأون لهذا السلوك بشكل عرضي طارئ نظراً لإتاحة الفرصة لعلاقة مثلية أو لغياب أو حظر العلاقات الغيرية بالجنس الآخر، لهذا تكثر العلاقات المثلية في المجتمعات التي تصر على الفصل التام بين الذكور والإناث في كل مكان، فيتوجه أفراد كل جنس إلى بعضهم بعضاً يفرغون شحناتهم العاطفية والجنسية.
وهذه الأمور التي ذكرناها تتأكد في الممارسة الإكلينيكية من خلال التعامل مع المثليين في العيادة النفسية؛ حيث يعبرون عن صور باهتة للأب، أو أنه كان غائباً أو بعيداً، أو بارداً انفعالياً، أو رافضاً للطفل (وهكذا الحال بالنسبة للفتاة المثلية حيث تصف أمها بالجفاء والقسوة، أو الابتعاد والرفض).
ومن هنا نرى الولد المثلي يتوق إلى جذب انتباه واهتمام الذكور الأكبر سناً من حوله، وربما يتمسّح بهم ويقترب منهم وجدانياً وجسدياً وكأنه يريد أن يعوض شيئاً ناقصاً في تكوينه، وبعضهم يقول: "إن أبي لم يربت على كتفي ولم يأخذني في حضنه طيلة حياتي، رغم أنني كنت أشتاق كثيراً أن أرتمي في حضنه وأن أشعر بعطفه وحنانه".
أيها الآباء عودوا إلى أبنائكم
وتبقى الجوانب التربوية الهامة المترتبة على هذه المعلومات وهي ضرورة وجود الأب وقربه من أبنائه وبناته في مراحل عمرهم المختلفة وخاصة المراحل المبكرة، وذلك كي يتم نموهم بشكل سويّ فيتوحد معه أبناؤه من الذكور ويدخلون من خلاله إلى عالم الرجولة، أما بناته فهن يتعلمن من خلاله كيفية التعامل مع عالم الرجال وكيفية فهم هذا الجنس المختلف.
ولهذا نتوقع أن تزيد حالات الجنسية المثلية في هذه الأيام لعدة أسباب:
1 – غياب الكثير من الآباء عن أسرهم وذلك بسبب السفر للخارج للدراسة أو العمل أو بسبب انشغالهم بكثير من الأعمال التي تسحبهم أغلب الوقت خارج البيت، وفي هذه الحالات لا يجد الطفل أمامه غير الأم يقترب منها ويتوحد معها، ويزيد الأمر صعوبة إن كان له إخوة أكبر من البنات فيجد نفسه محاطاً بعالم الأنوثة من كل الجوانب، ومثل هؤلاء الأطفال قد يظلون لسنوات يستخدمون الضمائر الأنثوية في التعبير عن أنفسهم، وقد تكون طريقتهم في الكلام والحركة والمشي أنثوية، وأيضاً الهوايات والاهتمامات!.
2 – إتاحة نماذج من الجنسية المثلية على مواقع الإنترنت وعلى القنوات الفضائية، مما يشجع الحالات المثلية الكامنة في أن تعبر عن نفسها وتنتقل من مرحلة الجنسية المثلية على المستوى الوجداني إلى مرحلة الممارسة المثلية.
3 – حالة التباهي من المجموعات المثلية بسلوكهم والرغبة في إظهاره والتعبير عنه في كل مكان مما يشجع المثليين المترددين في الإعلان عن أنفسهم وتفعيل ميولهم المثلية.
وقد يسأل سائل: إذا كان الأب غير متاح للطفل في مراحله المبكرة بسبب السفر القهري أو الوفاة أو أي سبب من الأسباب، فهل هذا يؤدي حتماً إلى أن ينشا الابن مثلياً- شاذاً؟
والإجابة هي: ليس بالضرورة أن يكون الأب البيولوجي (الحقيقي) هو المتاح للطفل في فترة نموه المبكر، ولكن قد يحل محله الجد أو العم أو الخال أو الأخ الأكبر أو أحد الأقارب أو زوج الأم، المهم أن يكون ثمة نموذج ذكوري متقبل ومشجع للطفل ومحب له يساعده في مرحلة التحول إلى التوحد الذكوري.
وفي الماضي حين كان الناس يعيشون في كنف أسر ممتدة، كان غياب الأب يعوضه حضور الجد أو العم أو الخال، لكن الآن ومع شيوع الأسر النووية (الأب والأم والأولاد فقط) فإن غياب الأب لا يعوضه أحد، لذلك نتوقع مشكلات تربوية ونفسية كثيرة في هذه الحالات حيث أن الأم هنا تضطر لأن تقوم بدور مزدوج (أب وأم معاً) فتضطرب هي ويضطرب معها التكوين النفسي لأبنائها، ويخرج جيل تميّعت فيه واختلطت معالم الرجولة والأنوثة، مع احتمالات زيادة حالات الشذوذ الجنسي.