فهذا الموضوع لبيان حكم صور ذوات الأرواح والصور الفوتوغرافية التي أراها قد انتشرت على صفحات المنتدىات ..
لذا أردت أن أنقل هذا المبحث النفيس من كتاب
"صناعة الصورة باليد مع بيان أحكام التصوير الفوتوغرافي "
تأليف
أ.د. عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
الأستاذ بجامعة القصيم
"
أقوال العلماء في صور ذوات الأرواح :
أولاً: رأي اللجنة الدائمة للإفتاء (في المملكة العربية السعودية).
سئلت اللجنة الدائمة عن حكم الإسلام في التصوير؟ فأجابت: الأصل في تصوير كل ما فيه روح من الإنسان، وسائر الحيوانات أنه حرام سواء أكانت مجسمة أم رسوماً على ورقة، أم قماش، أم جدران، أم كانت صورة شمسية لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من النهي عن ذلك، وتوعد فاعله بالعذاب الأليم ولأنها عهد جنسها أنه ذريعة إلى الشرك بالله بالمثول أمامها، والخضوع لها، والتقرب إليها، وإعظامها إعظاماً لا يليق إلا بالله –تعالى-، ولما فيها من مضاهاة خلق الله، ولما في بعضها من الفتن كصور الممثلات والنساء العاريات، ومن يسمَّين ملكات الجمال وأشباه ذلك.
ومن الأحاديث التي وردت في تحريمها ودلت على أنها من الكبائر
حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن الرسول الله -r- قال:
إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم : أحيوا ما خلقتم
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:
البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5951
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
وحديث عبد الله بن مسعود -t- قال: سمعت رسول الله –r- يقول
{ إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث:
البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5950
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
. وحديث أبي هريرة -t- قال سمعت رسول الله -r- يقول قال الله –تعالى-
{ ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا حبة ، وليخلقوا ذرة . ثم دعا بتور من ماء ، فغسل يديه حتى بلغ إبطه ، فقلت : يا أبا هريرة ، أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : منتهى الحلية .
الراوي: أبو هريرة المحدث:
البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5953
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
. وحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر ، وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال : ( أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ) . قالت : فجعلناه وسادة أو وسادتين .
الراوي: عائشة المحدث:
البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5954
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
رواه البخاري ومسلم.
(القرام : الستر. والسهوة : الطاقة النافذة في الحائط)
وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:
سمعنا رسول الله -r- يقول:
{ من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث:
البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5963
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
وحديثه أيضاً عن سعيد بن أبي الحسن -r- أنه قال:
إني رجل أصور هذه الصور . فأفتني فيها . فقال له : ادن مني . فدنا منه . ثم قال : ادن مني . فدنا حتى وضع يده على رأسه . قال : أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( كل مصور في النار . يجعل له ، بكل صورة صورها ، نفسا فتعذبه في جهنم ) . وقال : إن كنت لابد فاعلا ، فاصنع الشجر وما لا نفس له . فأقر به نصر بن علي .
الراوي: سعيد بن أبي الحسن المحدث:
مسلم - المصدر:
صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2110
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فدل عموم هذه الأحاديث على تحريم تصوير كل ما فيه روح مطلقاً، أما ما لا روح فيه من الشجر، والبحار، والجبال، ونحوها فيجوز تصويرها كما ذكره ابن عباس -رضي الله عنهما-، ولم يعرف عن الصحابة من أنكره عليه، ولما فهم من قوله في أحاديث الوعيد (أحيوا ما خلقتم) وقوله فيها "كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء().
وسئلت اللجنة أيضاً: هل رسم ذوات الأرواح جائز إذا كانت على شرشف، أو صحن، أو سجاد، أو ما شابه ذلك من الأشياء؟ فأجابت اللجنة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فيحرم تصوير ذوات الأرواح سواء أكان على شرشف أم صحن أم سجاد أم غير ذلك، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء().
وسئلت اللجنة أيضاً:كنا قد بدأنا مشروع مجلة للأطفال المسلمين باسم " أروى " نرفق لكم نسخة منها وجاء من نثق به وبدينه يعترض علينا من جهة رسوم الأشخاص، علماً بأننا تحاشينا في عملنا رسم الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- والصحابة -رضوان الله عليهم-. ومع هذا جئنا بخطابنا هذا نستفتيكم بشرعية ما أقدمنا عليه راجين الرد السريع على رسالتنا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد فتصوير ذوات الأرواح مطلقاً حرام، ولو كانت صور غير الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وغير صور الصحابة -رضي الله عنهم- وليس اتخاذها وسيلة للتشويق والإيضاح مبرراً للترخيص فيها.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.()
وسئلت أيضاً: عن حكم الصيني الموجود عليه تصوير مع العلم أنه يترك ولا يستخدم إلا للضرورة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد..
فالأصل التحريم في تصوير ذوات الأرواح للأدلة الواردة في ذلك لكن إذا كانت الصورة مهانة أو مقطعة جاز استعمال ما رسمت عليه كالبساط، ونحوه. وباَلله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ().
وسئلت أيضاً: عن حكم الرسم على السبورة رسوماً تخطيطية في عملية التعليم مع العلم أن الرسم عبارة عن أشكال حيوانات، ونباتات وحشرات في مادة التاريخ الطبيعي (الأحياء) وقد تكون هذه الرسوم مهمة في مادة التعليم.
فأجابت اللجنة قائلة:
ما كان من ذلك صوراً لذوات الأرواح كالحشرات وسائر الأحياء فلا يجوز ولو كان رسماً على السبورة، والأوراق، ولو كان القصد منه المساعدة على التعليم، لعدم الضرورة إليها لعموم الأدلة وما لم يكن من الأرواح جاز رسمه للتعليم وغيره ().
وسئلت أيضاً: ما موقف المسلم من الصور التوضيحية التي في الكتب الدراسية، والكتب العلمية والمجلات الإسلامية النافعة، مع أنه لا بد من وجود هذه الصور للتوضيح وتقريب الفهم؟ فأجابت: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد..
فتصوير ذوات الأرواح حرام مطلقاً لعموم الأحاديث التي وردت في ذلك، وليست ضرورية للتوضيح في الدراسة، بل هي من الأمور الكمالية لزيادة الإيضاح، وهناك غيرها من وسائل الإيضاح يمكن الاستغناء بها عن الصور في تفهيم الطلاب والقراء، وقد مضى على الناس قرون وهم في غنى عنها في التعليم والإيضاح، وصاروا مع ذلك أقوى منا علماً وأكثر تحصيلاً، وما ضرهم ترك الصور في دراستهم ولا نقص من فهمهم لما أرادوا ولا من وقتهم وفلسفتهم في إدراك العلوم وتحصيلها، وعلى هذا لا يجوز لنا أن نرتكب ما حرم الله من التصوير لظننا أنه ضرورة وليس بضرورة لشهادة الواقع بالاستغناء عنه قروناً طويلة ().
ثانياً: قول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-:
سُئل عن الرسم فقال:
«الرسم له معنيان أحدهما رسم الصور ذوات الأرواح وهذا جاءت السنة بتحريمه، فلا يجوز الرسم الذي هو رسم ذوات الأرواح، لقول النبي -r- في الحديث الصحيح كما جاء من قبل :
{كل مصور في النار}، وقوله -r-
{ أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهون بخلق الله} ولقوله -r-
{إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم}
ولأنه -r- لعن آكل الربا وموكله ولعن المصور، فدل ذلك على تحريم التصوير، وفسر العلماء ذلك بأنه تصوير ذوات الأرواح من الدواب، والإنسان، والطيور. أما رسم ما لا روح له وهو المعنى الثاني، فهذا لا حرج فيه، كرسم الجبل ،والشجر، والطائرة، والسيارة، وأشباه ذلك لا حرج فيه عند أهل العلم، ويستثنى من الرسم المحرم ما تدعو الضرورة إليه، كرسم صور المجرمين حتى يعرفوا ويمسكوا، أو الصورة في حفيظة النفوس التي لا بد منها ولا يستطيع الحصول عليها إلا بذلك،
ثالثاً: قول شيخنا محمد الصالح العثيمين -رحمه الله-:
سئل شيخنا محمد الصالح العثيمين -رحمه الله- سؤالاً جاء فيه: ما معنى جملة (إلا رقماً في ثوب) التي وردت في الحديث هل تدل على حل الصور التي في الثوب:
فأجاب -رحمه الله-: «إن رأينا في الحديث (
إلا رقماً في ثوب) من النصوص المتشابهة، والقاعدة السليمة: يردُّ إلى المحكم،
ولقوله تعالى:
﴿منه آيات محكمات هن أم الكتب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾
[آل عمران : 7].
ويردُّ المتشابه إلى المحكم ولا يبقى فيه إشكال؟ فهذا الحديث (إلا رقماً في ثوب)، يحتمل أنه عام، رقماً: يشمل صورة الحيوان، وصورة الأشجار، وغير ذلك، فإنه محتمل لهذا، فإنه يحمل على النصوص المحكمة التي تبين أن المراد برقم الثوب ما ليس بصورة حيوان، أو إنسان حتى تبقى النصوص متفقة.
ونحن لا نرى ذلك والتفصيل فيما له ظل، وما ليس له ظل، لأن حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في صحيح مسلم أنه قال –
{
قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته . ولا قبرا مشرفا إلا سويته . وفي رواية : ولا صورة إلا طمستها .
الراوي: علي بن أبي طالب المحدث:
مسلم - المصدر:
صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 969
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وسئل أيضاً رحمه الله سؤالاً جاء فيه:
فضيلة الشيخ / يطلب من الطالب في بعض المدارس أن يرسم صورة لذات روح، أو يعطى مثلاً بعض دجاجة، ويقال : أكمل الباقي، وأحياناً يطلب منه أن يقص الصورة ويلزقها على الورق، أو صورة يطلب منه تلوينها فما رأيكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله: «الذي أرى في هذا أنه حرام يجب منعه، وأن المسؤولين عن التعليم يلزمهم أداء الأمانة في هذا الباب، ومنع هذه الأشياء، وإذا كانوا يريدون أن يثبتوا ذكاء الطالب بإمكانهم أن يقولوا: اصنع صورة سيارة، أو شجرة، أو ما أشبه ذلك مما يحيط به علمه، ويحصل بذلك على مدى ذكائه وفطنته وتطبيقه للأمور وهذا مما ابتلي به الناس بوساطة الشيطان، وإلا فلا فرق بلا شك في إجادة الرسم والتخطيط بين أن يخطط الإنسان صورة شجرة، أو سيارة ... إلى أن قال والذي أرى أنه يجب على المسؤولين منع هذه الأشياء».
التصوير الفوتوغرافي
توطئة:
إن مما تميزت به شريعتنا الغراء أنها صالحة لكل زمان ومكان فليس هناك نازلة في عصر من العصور إلا ولشريعتنا الإسلامية فيه حكم من عصر النبوة إلى هذه العصور المتأخرة زمناً المتقدمة تكنولوجياً وتفنياً وعلمياً، وهذا دليل على شمولية هذه الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
ولما كان التصوير الفوتوغرافي نوعاً من الاكتشافات الحديثة التي لم تكن موجودة ولا معروفة في عهد رسول الله r ولا في زمن الصحابة الأبرار y ولا في عهد ازدهار المدارس الفقهية وإنما اكتشف مؤخراً، ومن هنا فلا يمكن الحصول على رأي العلماء السابقين من أئمة الهدى والدين في هذه العصور المتقدمة نظراً لعدم وجوده في تلك الحقبة والمراحل الزمنية. ومن هنا نشأ الخلاف في حكم هذا النوع من التصوير.
ولما كان هذا النوع من التصوير من أكثر أنواع التصوير انتشاراً واستعمالاً في كثير من المجالات وخصوصاً في هذا العصر كان ولا بد من وقفة معه نبين فيه ما يأتي:
تعريفه.
نشأته ونشأة الخلاف فيه
حكمه ويتناول الآتي:
1. من قال بجوازه
2. من قال بعدم الجواز
3. الراجح عندي من القولين
فتوى الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله- فيه مع بيان وجه الخطأ في فهمها
التصوير الفوتوغرافي
تعريفـــه:
كلمة التصوير قد سبق الكلام عليها في المبحث الأول. أما كلمة (فوتوغرافي) فهذه الكلمة ليست بعربية لكنها مشتقة من اليونانية ترجمتها (ضوء وأنا أرسم).
ومن هنا يكون التعريف العربي لهذه الكلمة "التصوير الشمسي" أو "التصوير الضوئي"
نشـأته :
ذكرنا آنفاً أن هذا النوع من التصوير لم يكن موجوداً ولا معروفاً من قبل وإنما اكتشف في هذه العصور المتأخرة، فقد قيل بأنه اكتشف في عام (1839 م) على يد رجل انجليزي، ذكر ذلك عدد من الباحثين ممن كتب في هذا المجال.
نشأة الخلاف فيه:
لما كان هذا النوع من التصوير نشأ في هذه العصور المتأخرة وكما ذكرنا في التوطئة نشأ الخلاف بين العلماء، فمنهم من قال بجوازه ومنهم من قال بتحريمه.
فالذين قالوا بالجواز قالوا بأن الآلة التي تسمى (الكاميرا) هي التي تلتقط الصورة التي توجه إليها عن طريق نقل الأضواء الظلال الواقعة على الجسم وطبعها على ألواح بلاستيك شفافة (الشريط) ثم يعاد طبع الصورة على ورق عن طريق تمرير ضوء من خلال هذا اللوح أو الشريط البلاستيكي.
ومن هنا قالوا بأن هذه الصورة ليست صورة فنية يراد بها إثبات مقدرة الفنان أو الرسام أو المصور. وإنما القدرة هنا قدرة الآلة الممثلة في العدسات التي يمر خلالها الظلال والأضواء. فكانت الآلة هنا هي القائمة بالتصوير، ولا يمكن أن يقال بأن الذي اخترع هذه الصورة أو ابتدعها هو الإنسان، ومن هنا أجازها بعض العلماء كما سنذكره إن شاء الله.
لكن الأمر لم ينته بعد ببيان ما استدل به من قال بالجواز بل جاء بعض أهل العلم فجعلوه من جملة التصوير الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه فهو لا يعدو عن كونه نوعاً من أنواع التصوير الممنوع، ولذلك فإنه يسمى تصويراً لغة وشرعاً وعرفاً، ومن هنا نشأ الخلاف بين العلماء في القول بالجواز والتحريم .
من قال بالتحريم:
ذهب إلى القول بالتحريم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- وكذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- وفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان والعلامة الألباني -رحمه الله-، وبالتحريم أيضاً أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية وغيرهم كثير من أهل العلم المعاصرين.
وقد استدل هؤلاء بأدلة منها:
أولاً: أنه لا يخرج هذا النوع من التصوير عن كونه نوعاً آخر منه، فهو وإن كانت طريقة التصوير مختلفة فإنه لا يخرج عن كونه تصويراً شرعاً وعرفاً.
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله-: وقد زعم بعض مجيزي التصوير الشمسي أنه نظير ظهور الوجه في المرآة ونحوها من الصقيلات وهذا فاسد فإن ظهور الوجه ونحوها شيء غير مستقر، وإنما يرى بقاء المقابلة، فإذا فقدت المقابلة فُقِدَ ظهور الصورة في المرآة ونحوها، بخلاف الصورة الشمسية فإنها باقية في الأوراق ونحوها مستقرة، فإلحاقها بالصورة المنقوشة باليد أظهر وأوضح وأصح من إلحاقها بظهور الصورة في المرآة ونحوها ... إلى أن قال رحمه الله: ومصور الصورة الشمسية مصور لغة وشرعاً وعقلاً ().
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه:
التصوير الفوتوغرافي الشمسي من أنواع التصوير المحرم فهو والتصوير عن طريق النسيج والصبغ بالألوان والصور المجسمة سواء في الحكم، والاختلاف في وسيلة التصوير وآلته لا يقتضي اختلافاً في الحكم، وكذا لا أثر للاختلاف فيما يبذل من جهد في التصوير صعوبة وسهولة في الحكم أيضاً وإنما المعتبر الصورة فهي محرمة وإن اختلفت وسيلتها وما بذل فيها من جهد ().
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-:
واختلف علماء العصر في التصوير الشمسي، هذا النوع الذي يكون بواسطة الكاميرا فبعضهم قال: إنه ليس بتصوير وإنما هو إمساك الظل وتسامح في ذلك، والبعض من أهل العلم وهم أهل البصيرة والتحقيق على أنه تصوير وأنه لا يجوز وأن حكمه حكم التصوير باليد الفني المعروف، فهذا التصوير لا يجوز لذوات الأرواح إلا لحاجة أو ضرورة كالتابعية أو تصوير الجناة لمعرفتهم واتقاء شرهم أو لقيادة السيارة للحاجة، هذا إذا دعت الحاجة إليه ولم يتيسر له استخراج تابعية أو رخصة إلا بالصورة فنرجح أنه لا حرج عليه للضرورة ().
قال الشيخ محمد على الصابوني: أقول: إن التصوير الشمسي (الفوتوغرافي) لا يخرج عن كونه نوعاً من أنواع التصوير، فما يخرج بالآلة يسمى (صورة) والرجل الذي يحترف هذه الحرفة يسمى في اللغة والعرف (مصوراً) فهذا وإن كان لا يشمله النص الصريح لأنه ليس تصويراً باليد وليس فيه مضاهاة لخلق الله إلا أنه لا يخرج عن كونه ضرباً من ضروب التصوير فينبغي أن يقتصر في الإباحة على (حد الضرورة)().
ثانياً: (ومن الأدلة أيضاً على تحريمه) : وجود العلة المانعة من التصوير وهي المضاهاة ومشابهة خلق الله هي أيضاً موجودة في التصوير الفوتوغرافي بل وجودها في هذا النوع من التصوير أكثر وأعظم من وجودها في التصوير باليد فكان التحريم فيها أشد من غيرها.
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله-: فإن التصوير الشمسي وإن لم يكن مثل المجسد من كل وجه فهو مثله في علة المنع وهي إبراز الصورة في الخارج بالنسبة إلى المنظر ().
وقال أيضا: بل الضوئي أشد فتنة من المجسم فإنه يأتي بشكل الأصل أتم وأكمل من غيره ().
ثالثاً: ومن الأدلة أيضاً على دخول التصوير الفوتوغرافي فيما يحرم من أنواع التصوير؛ أن هذا النوع من التصوير ما هو إلا تطوير للتصوير اليدوي مما تطورت سائر المهن والصناعات، ومن المعلوم أن الاختلاف في وسيلة التصوير لا يقتضي اختلافاً في الحكم .
قال الأمين الحاج محمد أحمد في رسالته "حكم التصوير في الإسلام" : وما التصوير الفوتوغرافي إلا تطور لمهنة التصوير كما تطورت جميع المهن والصناعات، فالسيارة في الماضي كانت تصنع جميع أجزائها باليد أما الآن فقد حلت المكائن والآلات محل الأيدي، فكذلك الأمر بالنسبة (للكاميرا) فما هي إلا تطور لحرفة التصوير، فالتصوير حرام سواء كان باليد أو بأي آلة من الآلات، فالرسول r أوتي جوامع الكلم وقد نهى عن التصوير بصفة عامة ليكون قوله حجة على العالمين إلى يوم يبعثون وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقد سئل عن الباذق ()، أمسكر هو؟ فقال: لقد سبق محمد r الباذق، فما أسكر فهو حرام ().
فنحن نقول لقد سبق محمد r تصويركم الفوتوغرافي وغيره وأوتي جوامع الكلم، فهل هذه الصور الفوتوغرافية تسمى صوراً أم لا؟ فإن كانت تسمى صوراً فهذا حرام، وهذا الذي تناوله الوعيد والتهديد السابق، وإن لم تسم صوراً فهذا أمر آخر ().
رابعاً: ومن الأدلة أيضاً أن القول بتحريم هذا النوع من التصوير أحوط وأبعد عن الوقوع في المحرم، هذا على اعتبار الخلاف الحاصل في هذا النوع، وإلا فالقول بالتحريم أظهر لعموم الأدلة كما ذكرنا طرفاً منها.
هذه بعض أدلة من قال بالتحريم.
القول الثاني: من قال بعدم التحريم
ذهب إلى القول بجواز هذا النوع من التصوير عدد من العلماء منهم شيخنا محمد الصالح العثيمين-رحمه الله-، وشيخنا صالح اللحيدان-حفظه لله- والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وغيرهم من أهل العلم المعاصرين.
أدلة من قال بعدم تحريم هذا النوع من التصوير؛
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-: الصور الفوتوغرافية الذي نرى فيها أن هذه الآلة التي تخرج الصورة فوراً وليس للإنسان أي عمل، نرى أن هذا ليس من باب التصوير وإنما هو من باب نقل صورة صورها الله عز وجل بواسطة هذه الآلة فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من حيث التصوير، والأحاديث الواردة إنما هي في التصوير الذي يكون بفعل العبد ويضاهي به خلق الله.
ويتبين لك ذلك جيداً بما لو كتب لك شخص رسالة فصورتها في الآلة الفوتوغرافية فإن هذه الصور التي تخرج ليست هي من فعل الذي أدار الآلة وحركها، فإن هذا الذي حرك الآلة ربما يكون لا يعرف الكتابة أصلاً والناس يعرفون أن هذه كتابة الأول والثاني ليس له أي فعل فيها ولكن إذا صور هذا التصوير الفوتوغرافي لغرض محرم فإنه يكون حراماً تحريم الوسائل() .
قلت: وجملة ما استدل به من قال بإباحة التصوير الفوتوغرافي ما يأتي.
أدلة من قال بجواز التصوير الفوتوغرافي:
أولاً: أن التصوير الفوتوغرافي ليس تصويراً بالمعنى الذي جاءت نصوص الشرع بالوعيد عليه وبالنهي عنه، فالتصوير بالآلة الفوتوغرافية ليس فيه تشكيل ولا تخطيط ولا تفصيل وإنما هو نقل شكل شكله الله.
والأصل في الأعمال غير التعبدية الحل إلا ما أتى الشرع بتحريمه.
ثانياً: ومن الأدلة أيضاً على عدم التحريم:
ما جاء من الاستثناء في قوله r {إلا رقماً في ثوب} فقالوا بأن التصوير الشمسي يقاس على جواز الرقم في الثوب.
يقول السايس في كتابه آيات الأحكام: ولعلك تريد بعد ذلك أن تعرف حكم ما يسمى بالتصوير الشمسي أو (الفوتوغرافي) فنقول: يمكنك أن تقول أن حكمها حكم الرقم في الثوب وقد علمت استثناءه نصاً ولك أن تسمي ذلك ليس بتصوير بل حبس للصورة وما مثله إلا كمثل الصورة في المرآة، لا يمكنك أن تقول إن ما في المرآة صورة وإن أحداً صورها والذي تضعه آلة التصوير هي صورة في المرآة، غاية الأمر أن مرآة الفوتوغرافي تثبت ().
ثالثاً: أن العلة الواردة في النهي عن التصوير هي مضاهاة خلق الله منتفية في هذا النوع من التصوير.
قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق:
لا يزعم الزاعم أن صورة آلة التصوير مضاهاة لخلق الله بل هي انعكاس على الورق أو أي سطح آخر ولا تتدخل القدرة الفنية هنا بكثير أو قليل إلا من حيث إتقان الفنان وضع الآلة أو توضيحها وإلا فإبراز الصورة إنما هو بفعل المرآة والعدسات والأضواء الساقطة ... إلى أن قال.
وهكذا نعلم أن مسألة المضاهاة والعدوان على اسم الله المصور منتفية هنا قطعاً().
وهناك أدلة أخرى ذكرها من قال بجواز هذا النوع من التصوير نصفح عن ذكرها مخافة التطويل ولكن خلاصة الأمر هنا أن هناك من أجاز هذا النوع من التصوير بما ذكرناه من آلة وغيرها مما لم نذكره.
مسألة هامة
هناك أمر لا بد من ذكره وهو أن من قال بجواز هذا النوع من التصوير اشترطوا لجوازه شروطاً منها: أن لا تشتمل الصورة الفوتوغرافية على محرم، وذلك كأن يكون وضع الصورة على حال ينافي الأخلاق والقيم الإسلامية. أو كانت الصورة على وضع ينافي أسس العقيدة الإسلامية وأصولها مثل الصور التي تحمل في طياتها شعاراً كفرياً وأهله أو كان مضمونها سخرية واستهزاء بالدين وأهله، أو كان الهدف منها تعظيم المصور تعظيماً دينياً أو دنيوياً لبعض العلماء أو الزعماء أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل الصورة تخرج عن أصلها وحدها المباح إلى ما سوى ذلك من التحريم، ولهذا فإن الصورة لأي غرض من الأغراض المذكورة وما شابهها تكون محرمة.
قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وهو ممن يرى جواز التصوير الفوتوغرافي: ومن أجل ذلك فنحن نقول لا يجوز بتاتاً تصوير الزعماء والرؤساء ونصب صورهم في الدوائر والميادين لأن هذا من أعظم دواعي الشرك بالله I، وهذا بالطبع لا يجوز فعله بقدرة الفنان أو بآلة التصوير فكلا الأمرين غير جائز، لأن العلة في نصب صور الزعماء والرؤساء السياسيين والدينيين باقية إلى أن قال: والشاهد أن صورة الآلة والصورة المصنوعة بقدرة الفنان والمصور سواء في الحرمة إذا كان القصد منها تعظيم رئيس من الرؤساء أو زعيم من الزعماء ونصب هذه الصورة وتعليقها حرام لأن هذا ذريعة إلى تعظيم غير الله بل هو من تعظيم غير الله I ().
منقول للفائدة