من يحكم بغير ما أنزل الله
السؤال : هل الحكم بغير الشريعة كفر أكبر أم كفر أصغر؟.
الجواب :
الحمد لله
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتحاكم إليه وتحكيم شرعه وحرّم الحكم بغيره كما يتضّح ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم ومنها ما تضمّنته سورة المائدة التي اشتملت على عدد من الآيات التي تتحدّث عن الحكم بما أنزل الله ومواضيعها تدور على ما يلي :
ـ الأمر بالحكم بما أنزل الله كما في قوله تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) آية 49
ـ التحذير من التحاكم إلى غير ما أنزل الله كما في قوله عز وجل : ( ولا تتبع أهواءهم ) آية 49
ـ التحذير من التنازل عن شيء من الشريعة مهما قلّ كما في قوله تعالى : ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) آية 49
ـ تحريم ابتغاء حكم الجاهلية كما جاء ذلك بصيغة الاستفهام الإنكاري في قوله عز وجل : ( أفحكم الجاهلية يبغون ) آية 50
ـ النصّ على أنه لا أحد أحسن من الله في الحكم كما قال عز وجلّ : ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) آية 50
ـ النصّ على أنّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وظالم وفاسق كما في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) آية 44 وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) آية 45 وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) آية 47
ـ النصّ على أنّه يجب على المسلمين الحكم بما أنزل الله ولو كان المتحاكمون إليهم كفارا كما قال عز وجل : ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) آية 42
فالحكم بغير ما أنزل الله مناف للإيمان والتوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد ، وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر بحسب الحال فيكون كفرا أكبر مخرجا من ملة الإسلام في حالات منها :
1 ـ من شرّع غير ما أنزل الله تعالى : فالتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له ، من نازعه في شيء منه ، فهو مشرك ، لقوله تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } .
2 ـ أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ أحقية حكم الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في رواية لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله ـ تعالى ـ : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } حيث قال :
عن ابن عباس قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق
الراوي: علي بن أبي طلحة المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 6/113
خلاصة حكم المحدث: فيه ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس ، لكنه جيد في الشواهد
3 ـ أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله ـ تعالى ـ سواء كان هذا التفضيل مطلقاً ، أو مقيداً في بعض المسائل قال تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون } .
4 ـ من ساوى بين حكم الله ـ تعالى ـ وبين حكم الطاغوت ، قال ـ عز وجل ـ: { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } .
5 ـ أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله . أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ غير واجب ، وأنه مخيّر فيه ، فهذا كفر مناقض للإيمان . فأنزل الله عز وجل ـ: { يا أيُّها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } إلى قوله تعالى :{ إن أوتيتم هذا فخذوه } [ سورة المائدة الآية : 41] يقول ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروه ، فأنزل الله تعالى ـ: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } .
6 ـ من لم يحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ إباءً وامتناعاً فهو كافر خارج عن الملة . وإن لم يجحد أو يكذِّب حكم الله تعالى .
ومما يمكن إلحاقه بالإباء والامتناع : الإعراض ، والصدود يقول ـ تعالى ـ {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدُّون عنك صدوداً }.
7 ـ من ضمن الحالات التي يكون الحكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ كفرا أكبر ، ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم عن تشريع القانون الوضعي وتحكيمه : وهو أعظمها ، وأشملها ، وأظهرها معاندة للشرع ، ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً ، وإمداداً ، وإرصاداً ، وتأصيلاً ، وتفريعاً ، وتشكيلاً ، وتنويعاً ، وحكماً ، وإلزاماً ، ومراجع مستمدات .
ومما سبق يمكن تلخيص بعض الحالات التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله شركا أكبر :
( 1 ) من شرّع غير ما أنزل الله
( 2 ) أن يجحد أو ينكر أحقيّة حكم الله ورسوله
( 3 ) تفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى سواء كان التفضيل مطلقا أو مقيدا
( 4 ) من ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت
( 5 ) أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله أو أن يعتقد أنّ الحكم بما أنزل الله ليس بواجب أو أنه مخيّر فيه
( 6 ) الإباء والامتناع عن الحكم بما أنزل الله
وبالحديث عن مظاهر هذا القسم يتبين ويتوضّح فمن مظاهر ما يعدّ كفرا أكبر ما يلي :
1- تنحية الشريعة عن الحكم وإلغاء العمل بها كما فعل مصطفى كمال في تركيا وغيره وقد ألغى المذكور العمل بمجلة الأحكام العدلية المستمدّة من المذهب الحنفي وأحلّ بدلا من ذلك القانون الوضعي .
2- إلغاء المحاكم الشرعية
3- فرض القانون الوضعي للحكم بين الناس كالقانون الإيطالي أو الفرنسي أو الألماني وغيرها أو المزج بينها وبين الشريعة كما فعل جنكيز خان بكتاب الياسق الذي جمعه من مصادر متعددة ونصّ العلماء على كفره .
4- تقليص دور المحاكم الشرعية وحصرها في النّطاق المدني بزعمهم كالنكاح والطّلاق والميراث
5- إنشاء محاكم غير شرعية .
6- طرح الشريعة للاستفتاء عليها في البرلمان وهذا يدلّ على أنّ تطبيقها عنده متوقّف على رأي غالبية الأعضاء
7- جعل الشريعة مصدرا ثانويا أو مصدرا رئيسا مع مصادر أخرى جاهلية بل وحتى قولهم الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع هو كفر أكبر لأن ذلك يفيد تجويز الأخذ من مصادر أخرى
8- النصّ في الأنظمة على الرجوع إلى القانون الدولي أو النصّ في الاتفاقيّات على أنه في حال التنازع يُرجع إلى المحكمة أو القانون الجاهلي الفلاني
9- النصّ في التعليقات العامة أو الخاصة على الطعن في الشريعة كوصفها بأنها جامدة أو ناقصة أو متخلّفة أو أنّ العمل بها لا يتناسب مع هذا الزمان أو إظهار الإعجاب بالقوانين الجاهلية .
وأما متى يكون الحكم بما أنزل الله كفرا أصغر لا يُخرج عن الملّة ؟
فالجواب أنّ الحاكم أو القاضي يكون حكمه بغير ما أنزل الله كفرا أصغر غير مخرج عن الملّة إذا حكم في واقعة ما بغير ما أنزل الله معصية أو هوى أو شهوة أو محاباة لشخص أو لأجل رشوة ونحو ذلك مع اعتقاده بوجوب الحكم بما أنزل الله وأنّ ما فعله إثم وحرام ومعصية .
أمّا بالنسبة للمحكوم بالقوانين الجاهلية فإن تحاكم إليها عن رضى واختيار فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملّة وأماّ إن لجأ إليها إكراها واضطرارا فلا يكفر لأنه مكره وكذلك لو لجأ إليها لتحصيل حقّ شرعي لا يحصل عليه إلا بواسطتها مع اعتقاده بأنها من الطاغوت .
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد ..
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
http://islamqa.com/ar/ref/974
ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز
تحميل الملف بصوت الشيخ
من هنا
تكفير جميع المجتمعات غير صحيح، ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله
لقد تعرفت خلال دراستي الجامعية بجامعة الخرطوم على فتاة تقول: إن المجتمعات الآن كلها مجتمعات جاهلية، أي كافرة، وتستدل بالآتي: إن هذه المجتمعات تحكم بغير ما أنزل الله، وقد قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون
لا شك أن هذا الإطلاق من هذه الفتاة ليس بصحيح، فليست المجتمعات كلها جاهلية بل فيها -بحمد الله- من أهل الخير والعلم والصلاح والاستقامة ما فيها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح:
(لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله)
الحديث
لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله ، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم ، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس الراوي: معاوية بن أبي سفيان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1037
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فالطائفة موجودة والحمد لله، وموجودة بكثرة في محلات كثيرة، فلا يجوز أن يقال: جميع المجتمعات في الشرق والغرب جاهلية وليس فيها إسلام، هذا غلط ومنكر، نعم الأغلب جاهلية، الأكثر والأغلب جاهلية على خلاف الشرع، لكن يوجد -بحمد لله- طائفة منصورة يوجد من هو على الحق، وإن كانوا لا يحصرون في مكان معين، لكنهم -بحمد لله- موجودون، وإن خلا منهم بعض الأمكنة وبعض البلاد لكنهم -بحمد لله- في دول كثيرة وفي بلدان كثيرة، ولا سيما -بحمد الله- في هذا العصر في أول هذا القرن وآخر القرن الماضي، فقد اتسعت الدعوة إلى الله وكثرة الدعاة إلى الله ونشط الشباب الإسلامي في كل مكان إلا ما شاء الله في الدعوة إلى الله والترغيب في الخير والدلالة على الخير، والعناية بالقرآن والسنة، فالإطلاق هذا الذي قالته الفتاة غير صحيح، وعليها التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إليه وأن تخاف الله وتراقبه سبحانه وتعالى، أما وجود التحكيم بغير الشريعة فهذا إثمه على من فعل ذلك ورضي به، أما من كرهه ولم يرضَ به فليس عليه إثم منه، الله يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام: من الآية164)، ومن حكَّم غير الشريعة من الدول وأعوانهم ورضوا بذلك فهم الآثمون، أما من لم يرض بهذا من الرعية من رجال ونساء في أي بلد فليس مأخوذاً بعمل غيره ولا آثماً بعمل غيره، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يجني الجاني إلا على نفسه)
الحديث
- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع ألا لا يجني جان إلا على نفسه لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده الراوي: عمرو بن الأحوص المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2177
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وهذا معنى قوله سبحانه: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام: من الآية164)، فالواجب التثبت في الأمور وعدم إطلاق الأحكام جزافاً على غير بصيرة. ولا ريب أن الحكم بغير ما أنزل الله منكر عظيم ومن أنواع الكفر، كما بينه الله سبحانه وتعالى، وهو من حكم الجاهلية، كما قال سبحانه: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) (المائدة: من الآية50)، وليس لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله بل هذا منكر عظيم وجريمة شنيعة، أما كونه كفراً مخرجاً من الملة فهذا هو محل التفصيل عند أهل العلم، فمن فعل الحكم بغير ما أنزل الله يستجيزه ويرى أنه لا بأس به، أو يرى أنه مثل حكم الله، أو يرى ما هو أشنع من ذلك أن الشريعة ما تناسب اليوم، أو أن القوانين أنسب منها وأصلح هذه كله كفر أكبر على جميع الأحوال الثلاثة، من زعم أن حكم غير الله أحسن من حكمه أو مثل حكمه في أي وقت كان أو أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله ولو قال: إن الشريعة أفضل وأحسن، ففي هذا الأحوال الثلاث يكون قائل ذلك كافراً،
وهكذا معتقد ذلك، من اعتقد أن حكم غير الله جائز أو مماثل لحكم الله أو أفضل من حكم الله فهو مرتد عند جميع أهل الإسلام،
أما من فعل ذلك بغرض من الأغراض ويعلم أنه مخطئ وأنه مجرم ولكن فعل ذلك لغرض لرشوة أو مجاملة قوم أو لأسباب أخرى والله يعلم من قلبه أنه ينكر هذا وأنه يرى أنه باطل وأنه معصية فهذا لا يكفر بذلك يكون عاصياً ويكون كافراً دون كفر وظالماً ظلماً دون ظلم، وفاسقاً فسقاً دون فسق، كما قال ابن عباس -رحمه الله- ومجاهد بن جبر وجماعة آخرون، وهو معروف عند أهل العلم، وإن أطلق من أطلق كفره فمراده كفر دون كفر،
أما من اعتقد جواز حكم غير الله ولو قال: إن الشريعة أفضل أو قال إنه مماثل لحكم الله أو قال إنه أفضل من حكم الله ففي هذه الأحوال الثلاثة يكون كافراً، نسأل الله العافية، كما تقدم. وأرشدك في هذا إلى مراجعة تفسير ابن كثير -رحمه الله- وابن جرير والبغوي وغيرهم على آيات المائدة:
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)
وإلى مراجعة كلام ابن القيم -رحمه الله- في إعلام الموقعين وفي الطرق الحكمية،
ومراجعة كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وفتاواه وغيرها، وهكذا مراجعة كلام أهل العلم في مذهب الشافعي والمالكي والحنفي وغيرهم من أهل العلم حتى تعلمي الحكم الشرعي.
ومن أنسب ما يكون في هذا باب (حكم المرتد) فإنهم بينوا فيه كل شيء في جميع المذاهب الأربعة،
وفي غيرها من كلام أهل العلم، وأضحوا بالتفصيل الحكم بغير ما أنزل الله، ولعلك بهذا والفتاة التي نقلت عنها لعلها يحصل لها بذلك الطمأنينة والرجوع إلى الحق وترك التعميم الذي يخالف الشرع المطهر،
نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
فتاوي نور على الدرب
تحميل الفتوى
اضغط على الصورة
http://www.binbaz.org.sa/mat/18121