هند بنت عتبة قاتلة سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب لقد أوصت هند نساء المشركين فى المعركة أن يقطعن آذان ومذاكير وانوف اللرجال ويمثلن بهم كما فعلت هى بسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ,
وعادت هند الى مكة بعد أن شفت غليلها وخلعت ملابس الحداد واستردت أنوستها وكانت جميلة وسيمة بعد أن ثأرت لأبيها وأخيها وعمها ,
وظلت على عدائها للدين الجديد الذى سلبها أعز ماتملك ولم تترك فرصة الا واغتنمتها لهجاء المسلمين بل وسب أى رجل من قريش يحاول التخفيف من هذا العداء حتى ولو كان زوجها أبو سفيان الذى أسلم وقد دخل الى مكة منذرا قريش بقدوم جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وطالبا منهم الاسلام فصمت كبار رجال قريش وهم يسمعون كبار شيوخهم يدعوهم للدخول فى الاسلام
الا هند فقد صرخت : اقتلوا الحميت ( تقصد أبو سفيان ) الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم .
ودخل المسلمون مكة منتصرين فاتحين ورغم الانتصار ظهروا متواضعين رهبانا بالليل فرسانا بالنهار ,
فبدأت هند فى مراجعة نفسها وموقفها وتقول فى نفسها كيف يفعلون هذا وهم منتصرون ؟
ويحكى معاوية : سمعت أمى تقول وهى تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
: فعلت يوم أحد مافعلت .. من التمثيل بعمه وأصحابه كلما سارت قريش مسيرا فأنا معهم بنفسى حتى رأيت فى النوم ثلاث ليال ,
رأيت كأنى فى ظلمة لا أبصر سهلا ولا جبلا وأرى من تلك الظلمة انفرجت عنى بضوء مكانه ,
فاذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونى ,
ثم رأيت فى الثانية كأنى على طريق فاذا بهبل على يمينى واذا باساف ( اسم صنم ) يدعونى عن يسارى ,
واذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدى قال
:تعالى , هلمى الى الطريق , ثم رأيت فى الليلة الثالثة كأنى واقفة على شفير جهنم يريدون أن يدفعونى فيها واذا أنا بهبل يقول ادخلى فيها فالتفت فاذا برسول الله صلى الله عليه وسلم , من ورائى أخذ بثيابى فتباعدت عن شفير جهنم وفزعت فقلت :
هذا شىء قد بين لى فعدوت الى صنم فى بيتنا فجعلت أضربه وأحطمه وأقول : طالما كنت منك الا فى غرور ,
ولأنها امرأة ذات شخصية قوية خضعت للحق وذهبت الى أبو سفيان وقالت انى أريد أن أتابع محمدا
قال : قد رأيتك تكرهين هذا الحديث أمس ,
قالت : انى والله والله ما رأيت الله عبد حق عبادته فى هذا المسجد ( المسجد الحرام ) قبل الليلة ,
والله ان باتوا الا مصلين قياما وركوعا وسجودا ,
قال ابو سفيان : فانك قد فعلت ما فعلت فاذهبى برجل من قومك معك ,
وذهبت هند الى رسول الله ومعها أبو سفيان ثم كشفت عن وجهها الذى كانت تغطيه فابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقرأ عليها القرآن ( ما هذه الروعة يارسول المحبة والسلام والعفو ) ثم قال : ياهند تبايعين على الا تشركى بالله شيئا ولا تزنين ولا تسرقين .
فرددت هند مندهشة فى مقولة تاريخية : وهل تزنى الحرة ؟ ثم وجهت حديثها للنبى صلى الله عليه وسلم قائلة : أو تعلم فى نساء قومك من هذه الهنات والعاهات شيئا ؟
ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم :: ولا تقتلى ولدك ,
فتنهدت هند التى لم تنسي حزنها على رجالها فى حضرة النبى صلى الله عليه وسلم وقالت : أما الأولاد فقد ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا فأنت أعلم بهم
فقال النبى صلى الله عليه وسلم : قتلهم الله ياهند .
ثم قالت : مد يدك نبايعك يارسول الله . فوضع النبى صلى الله عليه وسلم على يده ثوبا وبايعها
وقيل أدخل يده فى كوب ماء ثم رفعه اليها فأدخلت يدها فيه . ومنذ هذه اللحظة التى صافحت هند النبى صلى الله عليه وسلم فيها
حتى تحول كل سلوكها وحماسها وقوتها للدفاع عن الاسلام وتحري الحلال والحرام فى كل سلوكها وقد دخلت يوما على النبى صلى الله عليه وسلم تشكو بخل ابى سفيان وتقول :يارسول الله والله ماكان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب الى من أن يزلهم الله من أهل خبائك ,
وما على الأرض من أهل خباء أحب الى من أن يعذبهم الله من أهل خبائك .
فقال النبى صلى الله عليه وسلم : وأيضا والذى نفسى بيده ثم قالت ان أبا سفيان رجل شحيح مسيك ,
لايعطينى من النفقة ما يكفينى ويكفى بنى الا ما أخذت من ماله بغير علمه ,
فهل على فى ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى عيالك .
وكانت هند تتودد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وترسل اليه الهدايا فقد أهدت اليه جدبين وقد حملتهما جارية الى خيمة النبى صلى الله عليه وسلم
وقالت : ان مولاتى هند أرسلت اليك بهذه الهدية وهى معتذرة اليك وتقول : ان غنمنا اليوم قليلة الولادة ,
فقال صلى الله عليه وسل مبارك الله لكم فى غنمكم وأكثر ولادتها .
فرجعت الجارية الى هند فأخبرتها بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسرت بذلك
وكانت الجارية تقول : لقد رأينا من كثرة غنمنا وولادتها ما لم نكن نرى قبل ذلك من قريب ولا بعيد
فتعلق هند : هذا دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبركته , فالحمد لله الذى هدانا للاسلام ثم تضيف ,
لقد كنت أرى فى منامى انى فى الشمس ابدا قائمة والظل منى قريب لا أقدر عليه ,
فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منا رأيت كأنى أدخل فى الظل ويبدو أن هند لم تتحمل بخل زوجها ابى سفيان الذى زاد بعد معرفته بأنها تأخذ ما يكفيها وبنيها دون علمه وقال لها معاتبا : أما ما أصبت منه فيما مضى فأنتى منه فى حل فاستحكم الخلاف بينهما فطلقها فى عهد الفاروق عمر بن الخطاب
فقامت هند الى عمر وطلبت أربعة آلاف درهم كقرض تتاجر فيها وتضمنها ,
فأقرضها عمر فخرجت فيها الى بلاد كلب فاشترت وباعت وربحت وردت القرض وتوسعت تجارتها وقوافلها ..
ولأن اولادها مثل كل نساء قريش أعز اليها من كل شىء فكانت ترعاهم حتى وهم ولاة للمسلمين .
وقد بلغها أن طليقها أبا سفيان وعمر بن أبا سفيان ذهبا لزيارة معاوية ( ابنها الذى كان واليا لعمر ابن الخطاب على الشام فتركت تجارتها وذهبت اليه .
فقال معاوية : ما أقدمك يا أمى ؟
قالت : النظر اليك أى بنى انه عمر وانما يعمل لله ,
وقد أتاك أبوك فخشيت أن تخرج اليه من كل شىء ,
وأهل ذاك هو , فلا يعلم الناس من أين أعطيته فيؤنبوك ويؤنبك عمر أو يعزلك , فلا تفعلها أبدا .
فبعث معاوية الى أبيه وأخيه بمائة دينار وكساهما وحملهما فقال ابو سفيان : هذا عطاء لم تغب عنه هند ومشورة قد حضرتها هند .
ولأنها نبيلة أصيلة ذات شرف ونسب فقد أحسن اسلامها وختمت حياتها بالجهاد فى سبيل الله فقد شهدت معركة اليرموك ضد الروم وكانت تهتف : عضضوا القلفان يا معشر المسلمين ( أى قاتلوا فى سبيل الله بسيوفكم ) وكانت تقود كتيبة نساء المسلمين حتى قاتلت يوم اليرموك قتالا شديدا .
ويصف الزبير ابن العوام موقف هند الشجاع فى اليرموك : ثم استقبلت خيل ميمنة المسلمين فرأتهم منهزمين فصاحت الى أين تفرون من الله ومن جنته وهو مطلع عليكم ؟
ونظرت الى ابا سفيان منهزما فضربت وجه حصانه بعمودها فقالت : الى أين ياابن حرب؟
ارجع الى القتال وابذل مهجتك حتى تمحص عنك ما قد سلف منك من تحريضك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد ابو سفيان عندما سمع كلامها الى ساحة المعركة وعاد المسلمين معه .
وانتصر المسلمون فى اليرموك ولم تلبث هند قليلا حتى توفيت فى عهد عمر ابن الخطاب رضى الله عنه بعد حياة طويلة وعمر مديد مرفوعة الرأس لم تترك ثأرها ولم تخضع لقهر زوج أراد ان يزلها بماله وظلت ترعى ابناءها حتى كبروا ودخلت الاسلام فكانت خير مجاهدة ومقاتلة فى سبيل الله , فسلام على تلك الصحابية الجليلة والعربية النبيلة هند بنت عتبة التى يشرف بها تاريخ المرأة العربية فى كل زمان ومكان ....